للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها]

ينبغي أن نميز بين قضيتين مهمتين توضيحا للأمور: قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها. فتعليم المرأة وإن اتصل بأمر تربيتها إلا أنه يختلف عنها في الغاية والوسيلة. فغاية التعليم التنور والعرفان واكتساب المعارف العقلية والمهارات اليدوية والعملية ووسيلته التمدرس والالتحاق بالمدارس. أما التربية فغايتها إكساب الفضيلة والآداب والأخلاق الحميدة ووسيلتها التنشئة الأسرية السليمة وعناية الآباء بتربية الأبناء. فعلى الأسرة والمنزل تقع المسئولية الكبرى في تعليمهم. ومع الآباء قد يقومون بدور تعليمي لأطفالهم كما أن المدرسة قد تقوم بدور تربوي لهم، إلا أن هذه الوظيفة ثانوية تأتي مصاحبة للوظيفة الأساسي لكل من الآباء والمدرسة.

إن التعليم في حد ذاته لا يعتبر سببا في فساد أخلاق المرء أو سوء تربيته، كما أنه لا يعصم المرء من سوء الخلق والتربية. فمن النساء سواء كن متعلمات أو جاهلات من هن فضليات ومنهن من لا خلاق لهن ويسئن معاملة الآخرين. وكثير منهن يعرفن الحلال والحرام والحسن والقبيح. ويتبعن هذا ويعرضون عن ذاك، وأخريات لا يتبعهن هذا ولا يعرضن عن ذاك. وما ذلك إلا لأنهن لم يتعودن الفضيلة والأخلاق الحميدة منذ صغرهن وعلى طول سنوات تربيتهن في المنزل. ومن هنا ندرك الفرق بين قضية تعليم المرأة وقضية تربيتها. ونستطيع أن نميز بينهما. وهذا التمييز مهم لنقنع به أولئك الذين ما زالوا يتخوفون من تعليم المرأة ويتشككون فيه.

يقول قاسم أمين وهو أحد دعاة الإصلاح عن أهمية تعليم المرأة: "إننا نجد في هدي نبينا ما ينبغي أن نقتدي به حين قال في شأن عائشة: "خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء". وعائشة امرأة لم تؤيد بوحي ولا بمعجزة وإنما سمعت فوعت وعلمت فتعلمت. ولذا ينبغي أن نبدأ بتربية المرأة تربية تنقذنا من جميع العيوب التي يقذفنا بها الأجنبي كل يوم.. ولكن ما بال الرجال يعارضون تعليمها وتثقيفها في الوقت الذي يشكون فيه مر الشكوى من جهالتها؟ لقد رسخ في أذهانهم أن تعليمها وعفتها لا يجتمعان. وقال بعضهم في ذلك حكايات غريبة ونوادر استدلوا بها على أن تعليم المرأة يزيدها براعة في الاحتيال ويعطيها سلاحا جديدا تتقوى به على تنفيذ شهواتها.. وبالجملة فإنا نرى أن

<<  <   >  >>