للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الكمال الإنساني]

يرى ابن مسكويه أن الكمال الإنساني يعتمد على قوتين في نفسه. قوة عالمة تدفع الإنسان إلى الاشتياق إلى تحصيل المعارف والعلوم وقوة عاملة يحتاج إليها الإنسان في تنظيم أموره وتسييرها. وهذه القوة هي التي تتعلق بالكمال الأخلاقي. وإذا كانت القوة العالمة تتعلق بالنظر والفكر والعقل وتحصيل المعارف فإن القوة الثانية تتعلق بأسلوب عمل الإنسان وسلوكه. ولا يتم الكمال الإنساني إلا بتمامهما معا. لأن العلم مبدأ والعمل أو السلوك تمام له. والمبدأ بلا تمام يكون ضائعا والتمام بدون مبدأ يكون مستحيلا. والواقع أن علماء المسلمين قد أكدوا على ضرورة ارتباط العلم بالعمل واعتبروهما وجهين لعملة واحدة. فلا علم بدون عمل ولا عمل بدون علم وهو ما سبق أن فصلنا الكلام عنه.

ويرى ابن مسكويه أن كمال المرء في تميزه عن غيره في أفعال خاصة به لا يشاركه فيها غيره. فكمال الفرس أو الحصان على سبيل المثال هو في هيئته المميزة له وفي قوته وسرعة عدوه. فإذا فقد كمال هيئته وقوته وسرعته فإنه يكون قد فقد كماله كحصان. وكذلك النجار كما له في إتقان صنعته فإذا فقد إتقانه فإنه يفقد كماله كنجار ويصبح إنسانا عاديا.

وهو يرى أن الناس يتفاوتون في الرفعة والوضاعة والشرف والخسة بمقدار اتباعهم للعقل وتحقيقهم لخيرهم وسعادتهم. وأعلى مراتب النفوس تلك التي تخلصت من شهوات البدن وأهوائه وأخذت في تجلية مرآتها حتى تستطيع أن ترى فيها تجلي إشراقات النور الإلهي. وأدنى مراتب النفوس النفوس الضالة التي لا هم لها إلا إشباع الجسم ونزواته. ولهذا صدأت مرآتها فعجزت عن رؤية تجلي النور الإلهي. والفاضل أو الكامل من الناس من يحرص على إعلاء سلطة العقل فوق شهوة الحس.

ويرى ابن مسكويه أن السعادة والفضيلة لا تتحقق عن طريق الزهد والعزلة وابتعاد الفرد عن مخالطة الناس وهو ما يفعله الرهبان المسيحيون والصوفية من

<<  <   >  >>