للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اليهود –لعنهم الله– يجحدون الحقَّ: قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زيْد بْنِ التَّابُوتِ مِنْ عُظَمَاءِ يَهُودَ، إذَا كلم رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- لَوَى لسانَه، وَقَالَ: أرْعنا سمعَك يَا مُحَمَّدُ، حَتَّى نُفْهِمَكَ، ثُمَّ طَعَنَ فِي الإِسلام وَعَابَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا، مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا} ، أَيْ رَاعِنَا سَمْعَكَ: {لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا} وكَلم رسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رؤساءَ مِنْ أحبارِ يَهُودَ، مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صُوريا الْأَعْوَرُ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ، فَقَالَ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللَّهَ وَأَسْلِمُوا، فَوَاَللَّهِ إنَّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقٌّ، قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ يَا مُحَمَّدُ: فَجَحَدُوا مَا عَرَفُوا، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [النساء: ٤٧] .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: نَطْمِسَ: نَمْسَحَهَا فَنُسَوِّيهَا، فَلَا يُرى فِيهَا عينٌ وَلَا أَنْفٌ وَلَا فَمٌ، ولا شيء بما يُرَى في الوجه، وكذلك: {فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ} [القمر: ٣٧] الْمَطْمُوسُ الْعَيْنُ: الَّذِي لَيْسَ بَيْنَ جَفْنَيْهِ شِقٌّ. وَيُقَالُ: طَمَسْتُ الكتابَ وَالْأَثَرَ، فَلَا يُرَى مِنْهُ شَيْءٌ. قَالَ الْأَخْطَلُ، وَاسْمُهُ الغَوْث١ بْنُ هُبَيْرة بْنِ الصَّلْت التَّغْلبي، يَصِفُ إبِلًا كَلَّفها مَا ذَكَرَ:

وتُكْلِيفُناهَا كلَّ طامسةِ الصُّوَى ... شطونٍ تَرَى حِرْباءَها يتململُ٢

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَاحِدَةُ الصُّوَى: صُوَّة. والصُّوَى: الأعلام التي يُستدل بها على الطرق والماء.

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: يَقُولُ: مُسِحت فَاسْتَوَتْ بِالْأَرْضِ، فليس فيها شيء ناتئ.


١ المشهور أن اسمه غياث بن غوث بن مصلت ويكنى أبا مالك.
٢ الشطون: البعيد، والحرباء دويبة صغيرة تتلون في الشمس ألوانًا لها أربع قوائم جمعها حرابي.

<<  <  ج: ص:  >  >>