للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[دعوى باطلة وردها]

تحقق أن الرواية بالمعنى ضرورة دعت إليها الحاجة، وإنما تؤخذ للضرورة بقدرها, ولا يدعي عاقل أن الصحابة رضوان الله عليهم لم يتأهلوا للرواية بالمعنى، بمعنى لم تتحقق فيهم شروطها، بل الحق الصراح الذي لا ريب فيه أن الصحابة ثقات أثبات، حرصوا كل الحرص على الاستيثاق والاحتياط في الروايات، فحفظوا ووعوا ما رووا, وأدوه في الأعم الأغلب كما سمعوه، وإذا اضطرتهم الضرورة للرواية بالمعنى فهم العالمون الفاهمون الهاضمون لما ينقلون، فلا خوف على الرواية من زللهم، كيف وقد تنوقلت رواياتهم بواسطة الأئمة الأعلام الذين بلغوا في النقد والتدقيق والتحرير الغاية. فلو وقفوا على زلل لبينوه وقوموه، لكنهم على من يستدركون؟ أعلى أرباب الفطنة والذكاء من أمثال ابن عباس, الذي كان يحفظ كل ما يقع عليه بصره أو سمعه من مرة واحدة, وأثر أنه سمع قصيدة لشاعر الغزل عمر ابن أبي ربيعة١ من ثمانين بيتا، فحفظها كلها.


١ هو عمر بن عبد الله بن ربيعة المخزومي يكنى بأبي الخطاب, وعمرو بن هشام ابن عم أبيه. حنتمة بنت هشام والدة الفاروق بنت عم أبيه أيضا، وعرف بكثرة تشبيبه وفحش غزله للنساء. ومع ذلك قدر الله له حسن الخاتمة حيث احترقت به سفينة في الغزو, ولذا قال عبد الله بن عمر: "فاز عمر بن أبي ربيعة بالدنيا والآخرة، غزا في البحر فأحرقوا سفينته فاحترق". الشعر والشعراء ج٢، ص٥٥٣-٥٥٨, وفيات الأعيان ج١، ص٤٧٧-٤٧٨, وخزانة الأدب ج١ ص٢٢٨-٢٤٠.

<<  <   >  >>