للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ظهور الفرق في عهد التابعين]

ما إن نهض علي رضي الله عنه بأعباء الخلافة بعد أن بويع له بها، حتى استقبلته الأحداث، وأحاطت به الملمات، فلم يتهدأ الأمور, ولم يصف له إلا ساعات, وما كان صفاؤها تاما.

فأهل الشام بقيادة معاوية أبوا مبايعة علي حتى يأخذ بثأر عثمان، ومتى هدأ له الزمان، ومكن من إقامة العدل ومقاومة الطغيان؟ ومن منه أحرص على تطبيق الحد؟ خرج إلى الكوفة يريد إقناع أهل الشام؛ فإذا بأم المؤمنين عائشة, ومعها طلحة والزبير في جيش عظيم يطالبون بدم عثمان، وتقوم رحى الحرب في موقعة الجمل ويسقط الألوف، ويدين النصر للخليفة، لكنه لا يهنأ به، فما كان ليفرحه أن تراق دماء المسلمين في غير مواقعها، لكن البعض يأبى إلا الاستشراف بالفتن، وتشب حرب ضارية بين علي ومعاوية عند صفين، وما أن تلوح بوادر النصر الحاسم لأبي تراب، حتى يلجأ أهل الشام إلى خديعة ماكرة، فترفع المصاحف على أسنة الرماح، ويتشدق رافعوها بأنهم يطلبون حكم الله، ويحكمون كتابه.

ويظهر لعلي وجه الحق، وتدرك حصافته الخديعة، فيرفض التحكيم ويأبى الأغرار من أتباعه إلا إجباره على قبوله، فإذا قبله بإلحاحهم، وآل أمره إلى ما آل إليه، انبرى بعض الجهلاء يعنفونه ويلومونه، وينطقون باطلا: "حكمت الرجال، لا حكم إلا لله ورسوله", ثم يكفرونه، ويكفرون خصومه، ويخرجون عن طاعته وطاعة معاوية فيعرفون بـ"الخوارج"

<<  <   >  >>