للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان الحجازيون يخوضون غمار الحرب، ولا يبالون بالموت، يقول العباس بن مرداس:

أشد على الكتيبة لا أبالي ... أحتفي كان فيها أم سواها

بل إن منهم من يطلب الموت، ولا يريد بقاء النفس، يقول قيس بن الخطيم:

وإني في الحرب الضروس موكل ... بإقدام نفس ما أريد بقاءها

وهم يأبون الموت إلا في ساحة الوغى، فكأنهم في معركة مع الثأر لا تنتهي؛ إما أن يقتصوا لأنفسهم أو يثأر منهم. وهذه عندهم هي الشجاعة وأولئك هم الشجعان ... والأبيات اللاحقة التي هتف بها الشاعر دريد بن الصمة تصور ذلك وتشيد بثباتهم وشجاعتهم، فهم يهجمون حين يتهيب الأبطال أن يهجموا، ويتنافسون على الإقدام في حلبة الموت الزؤام، ويفخرون بكثرة من قتلوا من الأعداء:

أبى القتل إلا آل صمة إنهم ... أبوا غيره والقدر يجري إلى القدر

فإما ترينا لا تزال دماؤنا ... لدى واتر يسعى بها آخر الدهر

فإنا نلحم السيف غير نكيرة ... ونلحمه حينا وليس بذي نكر

يغار علينا واترين فيشتفى ... بنا إن أصبنا، أو نغير على وتر

قسمنا بذاك الدهر شطرين بيننا ... فما ينقضي إلا ونحن على شطر١

٣- وكانوا لا يتجاوزون الحق والإنصاف إذا دارت دائرة الحرب بينهم وبين أعدائهم؛ فهم يذكرون لهم صدق بلائهم وشجاعة أبطالهم, كما أنهم لا يفتئون يذكون نار الحماسة في قومهم، حتى ينالوا النصر. فكلا الفريقين قد عاد مثخنا بجراحه, مكسرة رماحه، منحنية سيوفه، كما أسفرت المعركة بينهما عن جرحى مصابين وعاجزين عن المسير.


١ الحماسة ١/ ٣٤٧, قصد بقوله القدر يجري إلى القدر: أنهم مقدرون للقتل وهو مقدر لهم. النكيرة: العيب والمنكر.

<<  <   >  >>