للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وصية أبي بكر لعمر بن الخطاب ١

ثم أحضر أبو بكر عمر فقال له:

إني قد استخلفتك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأوصاه بتقوى الله ثم قال:

يا عمر إن لله حقا بالليل ولا يقبله بالنهار وحقا بالنهار ولا يقبله بالليل وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة، ألم تر يا عمر أنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه غدا إلا حق أن يكون ثقيلا، ألم تر يا عمر إنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم. وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفا، ألم تر يا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع الشدة وآية الشدة مع آية الرخاء، ليكون المؤمن راغبا راهبا لا يرغب رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له ولا يرهب رهبة يلقى فيها بيديه، ألم تر يا عمر إنما ذكر الله أهل النار بأسوأ أعمالهم، فإذا ذكرتهم قلت: إني لأرجو ألا أكون منهم وإنه إنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنه تجاوز لهم عما كان من سيئ فإذا ذكرتهم قلت: أين عملي من أعمالهم فإذا حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من حاضر من الموت ولست بمعجزة٢.

خطبة علي في تأبين أبي بكر٣

لما سمع علي رضي الله عنه خبر وفاة أبي بكر جاء باكيا مسرعا مسترجعا حتى وقف بالباب وهو يقول:

رحمك الله يا أبا بكر كنت والله أول القوم إسلاما وأخلقهم إيمانا وأشدهم يقينا وأعظمهم غنى وأحفظهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحدبهم٤ على الإسلام وأحماهم عن أهله وأنسبهم برسول الله خلقا وفضلا وهديا وصمتا فجزاك الله عن الإسلام وعن رسول الله وعن المسلمين خيرا صدقت رسول الله حين كذبه الناس وواسيته حين بخلوا وقمت معه حين قعدوا وسماك الله في كتابه صديقا، فقال: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} يريد محمدا ويريدك، كنت والله للإسلام حصنا وللكافرين ناكبا لم تضلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ولم تجبن نفسك كالجبل لا تحركه العواصف ولا تزيله القواصف كنت كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعيفا في بدنك قويا في دينك متواضعا في نفسك عظيما عند الله جليلا في الأرض كبيرا عند المؤمنين لم يكن لأحد عندك مطمع ولا هوى فالضعيف عندك قوي والقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق من القوي وتعطيه للضعيف فلا حرمنا الله أجرك ولا أضلنا بعدك.


١- الرياض النضرة: ٢/٢٤٤-٢٤٥.
٢- الثقات: ٢/١٩٣.
٣- الرياض النضرة: ٢/٢٤٩.
٤- أحدبهم: أعطفهم وأشفقهم.

<<  <   >  >>