للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يَغْدُونَ كُلَّ غَدَاةٍ إِلَى الْحَرَّةِ يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يُؤْذِيَهُمْ حَرُّ الظَّهِيرَةِ، فَانْقَلَبُوا يَوْمًا فَلَمَّا أَوَوْا إِلَى بُيُوتِهِمْ أَوْفَى [ (٣) ] رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ عَلَى أُطُمٍ [ (٤) ] لِأَمْرٍ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، فَبَصُرَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ يَزُولُ [ (٥) ] بِهِمُ السَّرَابُ مُبَيَّضِينَ [ (٦) ] فَلَمْ يَمْلِكِ الْيَهُودِيُّ نَفْسَهُ [ (٧) ] أَنْ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ [ (٨) ] ! هَذَا صَاحِبُكُمُ الَّذِي تَنْتَظِرُونَ، فَثَارَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى سِلَاحِهِمْ، فَتَلَقَّوْا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ، فَلَقَوْهُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، وَذَلِكَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ لِهِلَالِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ.

فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فَذَكَّرَ النَّاسَ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ صَامِتًا، فَطَفِقَ مَنْ جَاءَ مِنَ الْأَنْصَارِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ رَأَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَحْسِبُهُ أَبَا بَكْرٍ، حَتَّى إِذَا أَصَابَتِ الشَّمْسُ رسول الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَظَلَّ عَلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ بِرِدَائِهِ، فَعَرَفَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ [ (٩) ] .

ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ مَرَّ بِعَبْدِ اللهِ بن أبيّ بن سَلُولَ وَهُوَ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ، وَهُوَ فِي بَيْتٍ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُ أَنْ يَدْعُوَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ فِي أَنْفُسِهَا فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ: انْظُرِ الَّذِينَ دَعَوْكَ فَانْزِلْ عَلَيْهِمْ، فَذَكَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ لِنَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وُقُوفَهُ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أبيّ والذي


[ (٣) ] (أوفى) طلع إلى مكان عال، وأشرف منه على ما تحته.
[ (٤) ] (الأطم) الحصن، ويقال: بناء من حجارة كالقصر.
[ (٥) ] (يزول بهم السراب) أي: يرفعهم، ويظهرهم، وقال ابن حجر: أي يزول بسبب عروضهم له، وفي بعض الروايات: (يلوح بهم السراب) .
[ (٦) ] (مبيّضين) اي عليهم الثياب البيض التي كساهم إياها: الزبير أو طلحة.
[ (٧) ] ليست في (هـ) .
[ (٨) ] وفي رواية: يا بني قيلة، وهي الجدة الكبرى للأنصار والدة الأوس والخزرج. شرح المواهب (١: ٣٥٠) .
[ (٩) ] رواه الإمام احمد والشيخان عن أبي بكر، وسعيد بن منصور عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزبير، وابن اسحق عن عويم بن ساعده، ويحيى بن الحسن عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ.