للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيْحَكَ يَا كَعْبُ. جِئْتُكَ بِعِزِّ الدَّهْرِ، بِقُرَيْشٍ مَعَهَا قَادَتُهَا حَتَّى أَنْزَلْتُهَا بِرُومَةَ، وَجِئْتُكَ بِغَطَفَانَ، عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا، حَتَّى أَنْزَلْتُهَا إِلَى جَانِبِ أُحُدٍ. جِئْتُكَ بِبَحْرٍ طَامٍ [ (٢) ] لَا يَرُدُّهُ شَيْءٌ.

فَقَالَ: جِئْتَنِي واللَّه بِالذُّلِ، وَبِجَهَامٍ [ (٣) ] . قَدْ هَرَاقَ [ (٤) ] مَاؤُهُ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيْلَكَ! فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ لِي بِكَ، وَلَا بِمَا تَدْعُونِي إِلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ يَفْتِلُهُ فِي الذِّرْوَةِ، وَالْغَارِبِ [ (٥) ] حَتَّى أَطَاعَ لَهُ، وَأَعْطَاهُ حُيَيٌّ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ قَبْلَ أَنْ يُصِيبُوا مُحَمَّدًا لَأَدْخُلَنَّ مَعَكَ فِي حِصْنِكَ حَتَّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكَ، فَنَقَضَ كَعْبٌ الْعَهْدَ، وَأَظْهَرَ الْبَرَاءَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمِمَّا كَانَ [ (٦) ] بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ [ (٧) ] .

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَبَرُ كَعْبٍ، وَنَقْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ، بَعَثَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَهُوَ سَيِّدُ الْأَوْسِ، وَكَانَ مَعَهُمَا فِيمَا يَذْكُرُونَ. وَهُوَ تَبَعٌ لَهُمَا- خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَبْدُ اللَّه بْنُ رَوَاحَةَ. فَقَالَ، ائْتُوا [ (٨) ] هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ، فَانْظُرُوا، فَإِنْ كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، فَأَعْلِنُوهُ. وَإِنْ كَانُوا عَلَى مَا بَلَغَنَا عَنْهُمْ، فَالْحَنُوا لِي عَنْهُمْ لَحْنًا أَعْرِفُهُ، وَلَا تَفُتُّوا [ (٩) ] فِي أَعْضَادِ الْمُسْلِمِينَ،


[ (٢) ] (البحر الطامي) : المرتفع الكثير الماء، أراد أن يشبه عدد القوم في كثرته بالبحر لأنه يغطي جوانبه كلها.
[ (٣) ] الجهام: السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه.
[ (٤) ] (هراق) : صبّ، يريد أنه خال من المطر.
[ (٥) ] (يَفْتِلُهُ فِي الذِّرْوَةِ وَالْغَارِبِ) أي لم يزل يخادعه كما يخادع البعير إذا كان نافرا.
[ (٦) ] في (أ) و (ص) : «وما» ، وأثبتنا ما في (ح) وهو موافق لسيرة ابن هشام.
[ (٧) ] الخبر رواه ابن هشام في السيرة (٣: ١٧٣- ١٧٥) .
[ (٨) ] في سيرة ابن هشام «انطلقوا» .
[ (٩) ] (فتّ في عضده) إذا ضعفه ووهنه.