للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَارِثِ ابْنٌ لَهُ فَقَالَ: وَاللهِ لَيَأْذَنَنَّ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَآخُذَنَّ بِيَدِ ابْنِي هَذَا ثُمَّ لَنَذْهَبَنَّ فِي الْأَرْضِ حَتَّى نَمُوتَ عَطَشًا أَوْ جُوعًا، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَقَّ لَهُمَا فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَأَنْشَدَهُ أَبُو سُفْيَانَ قَوْلَهُ فِي إِسْلَامِهِ وَاعْتِذَارِهِ مِمَّا كَانَ مَضَى مِنْهُ، فَقَالَ:

لَعَمْرُكَ إِنِّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللَّاتِ خَيْلَ مُحَمَّدِ [ (٢) ]

لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أظلم ليله ... فهذا أواتي حِينَ أُهْدَى وَأَهْتَدِي [ (٣) ]

هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ اللهِ مَنْ طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ [ (٤) ]

أَصُدُّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمَّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمَّدِ [ (٥) ]

هُمُ مَا هُمُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهِمُ ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنَّدِ [ (٦) ]

أُرِيدُ لِأُرْضِيهِمْ وَلَسْتُ بِلَائِطٍ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلِّ مَقْعَدِ [ (٧) ]

فَقُلْ لِثَقِيفٍ لَا أُرِيدُ قِتَالَكُمْ ... وَقُلْ لِثَقِيفٍ تِلْكَ: غِيْرِي وَأَوْعِدِي [ (٨) ]

فَمَا كُنْتُ فِي الْجَيْشِ الَّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَلَا كَانَ عَنْ جَرْيٍ لِسَانِي وَلَا يَدِي

قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... نَزَائِعُ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدُدِ

قَالَ فَذَكَرُوا أَنَّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عليه وسلم ومن طَرَّدْتُ كُلَّ مُطَرَّدِ ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ: أَنْتَ طَرَدْتَنِي كُلَّ مطرّد [ (٩) ] .


[ (٢) ] احمل راية: كنى بذلك عن شهود الحرب ودعوته إليها، واللات صنم من أصنام العرب، وأراد بخيل اللات جيش الكفر والشرك، وخيل محمد: أراد بها جيش المسلمين.
[ (٣) ] المدلج: الذي يسير ليلا.
[ (٤) ] مطرد: مصدر ميمي بمعنى الطرد، وذلك كما في قوله تعالى: «انكم إذا مزقتم كل ممزق» .
[ (٥) ] أصد: أمنع الناس عن الدخول في الإيمان، وأنأى: ابعد بنفسي عنه، وجاهدا: مجتهدا.
[ (٦) ] يفند: ينسب إلى الفند، وهو الكذب، أو يلام.
[ (٧) ] لائط: ملصق، يقال: لاط حبه بقلبي، إذا لصق به.
[ (٨) ] أوعدي: هددي.
[ (٩) ] رواه ابن هشام في السيرة (٤: ١٥) ، ونقله ابن كثير في التَّارِيخَ (٤: ٢٨٧) .