للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَرَأَى الْمُوبَذَانُ إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا.

فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ ذَلِكَ، وَتَصَبَّرَ عَلَيْهِ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى أَنْ لَا يَدَّخِرَ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ حِينَ عِيلَ صَبْرُهُ، فَجَمَعَهُمْ، وَلَبِسَ تَاجَهُ، وَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ، قَالَ: أَتَدْرُونَ فِيمَا بَعَثْتُ إِلَيْكُمْ؟

قَالُوا: لَا، إِلَّا أَنْ يُخْبِرَنَا الملك بذلك. فبيناهم كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُ كِتَابٌ بِخُمُودِ نَارِ فَارِسَ، فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمَّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِمَا هَالَهُ. فَقَالَ الْمُوبَذَانُ: وَأَنَا- أَصْلَحَ اللهُ الْمَلِكَ- قَدْ رَأَيْتُ فِيَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ. ثُمَّ قَصَّ عَلَيْهِ رُؤْيَاهُ فِي الْإِبِلِ.

قَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبَذَانُ- وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ- قَالَ: حَدَثٌ [يَكُونُ] [ (٢٧٤) ] مِنْ نَاحِيَةِ الْعَرَبِ. فَكَتَبَ كِسْرَى عِنْدَ ذَلِكَ: «مِنْ مَلَكِ الْمُلُوكِ كِسْرَى إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ. أَمَّا بَعْدُ: فَوَجِّهْ إِلَيَّ بِرَجُلٍ عَالِمٍ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ» فَوَجَّهَ إِلَيْهِ بِعَبْدِ الْمَسِيحِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ [ (٢٧٥) ] الْغَسَّانِيِّ.

فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ: أَلَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: يَسْأَلُنِي، أَوْ يُخْبِرُنِي، الْمَلِكُ، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ أَخْبَرْتُهُ، وَإِلَّا دَلَلْتُهُ عَلَى مَنْ يَعْلَمُهُ.

قَالَ: فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى. قَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ: سَطِيحٌ. قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ فَاسْأَلْهُ وَائْتِنِي بِتَأْوِيلِ مَا عِنْدَهُ. فَنَهَضَ عَبْدُ الْمَسِيحِ حَتَّى قَدِمَ عَلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ، فَلَمْ يُحِرْ [ (٢٧٦) ] جَوَابًا، فَأَنْشَدَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:


[ (٢٧٤) ] الزيادة من (ح) .
[ (٢٧٥) ] في (ص) : «نفيلة» ، وهو تصحيف.
[ (٢٧٦) ] في (ص) : «يحذ» .