للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب


[ () ] (ومنهم) من ذهب إلى أن النفس التي تتوفى عند النوم هي الروح نفسها، واختلف هؤلاء في توفيها (فمنهم) من يذهب الى ان معنى وفاة الروح بالنوم قبضها عن التصرفات مع بقائها في الجسد، وهذا موافق للأول من وجه ومخالف من وجه وهو قول بعض اهل النظر ومن المعتزلة، (ومنهم) من ذهب الى ان الروح تتوفى عند النوم بقبضها من الجسد ومفارقتها له، وهذا الذي نجيب به وهو الأشبه بظاهر الكتاب والسنة.
وقد أخبرنا الشيخ ابو الحسن بن أبي الفرج النيسابوري بها قال: أخبرنا جدي ابو محمد العباس بن محمد الطوسي، عن القاضي أبي سعيد الفرخزاذي، عن الإمام أبي إسحاق: احمد بن محمد الثعلبي- رحمه الله تعالى- قال قال المفسرون: ان أرواح الأحياء والأموات تلتقي في المنام فتتعارف ما شاء الله، فإذا أرادت جميعها الرجوع الى أجسادها امسك الله أرواح الأموات عنده، وحبسها، وأرسل أرواح الأحياء حتى ترجع الى أجسادها.
ولفظ هذا الإمام في هذا الشأن يعطي ان قول اكثر اهل العلم بهذا الفن، وعند هذا، فيكون الفرق بين القبضتين والوفاتين ان الروح في حالة النوم تفارق الجسد على انها تعود اليه فلا تخرج خروجا ينقطع به العلاقة بينها وبين الجسد، بل يبقى أثرها الذي هو حياة الجسد باقيا فيه فأما في حالة الموت فالروح تخرج من الجسد مفارقة له بالكلية فلا تخلف فيه شيئا من أثرها، فلذلك تذهب الحياة معها عند الموت دون النوم، ثم ان ادراك كيفية ذلك والوقوف على حقيقته متعذر فانه من امر الروح، وقد استأثر بعلمه الجليل- تبارك وتعالى- فقال سبحانه: «قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا» .
وأما قوله- تبارك وتعالى: «قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ» فان الأضغاث جمع ضغث وهو الحزمة التي تقبض بالكلف من الحشيش. ونحوه، والأحلام جمع حلم وهي الرؤيا مطلقا، وقد تختص بالرؤيا التي تكون من الشيطان، ولما
روى في حديث: «للرؤيا من الله، والحلم من الشيطان»
فمعنى الآية، أنهم قالوا للملك: ان الذي رأيته أحلام مختلطة ولا يصح تأويلها.
وقد أفرد بعض أهل التعبير اصطلاحا لأضغاث أحلام فذكر أن من شأنها انها لا تدل على الأمور المستقبلة وانما تدل على الأمور الحاضرة والماضية، ونجد معها ان يكون الرأي خائفا من شيء، أو راجيا لشيء، وفي معنى الخوف والرجاء الحزن على شيء والسرور بشيء، فإذا أنام من اتصف بذلك لذلك رأى في نومه ذلك الشيء بعينه أن يكون خاليا من شيء هو محتاج اليه كالجائع والعطشان يرى في نومه كأنه يأكل ويشرب او يكون ممتلئا من شيء فيرى كأنه بتجنبه كالممتلئ من الطعام يرى كأمه يقذف، وذكر ان هذه الأمور الاربعة مهما سلم الرأي منها في رؤياه لا تكون من أضغاث الأحلام التي لا تعبير لها، وهذا الذي ذكره ضابط حسن لو سلم في طرفيه، لكن الحصر شديدة وما ذكره فعنده من المنامات الفاسدة شاركته في الاندراج في قبيل الأضغاث.
وأما سؤاله: من أين يفهم المنام الصالح من المنام الفاسد؟ فإن للرؤيا الفاسدة أمارات يستدل بها عليها، وما تقدم حكايته في شرح أضغاث الأحلام طرف منها.