للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ كَرَامَتِهِ وَنُبُوَّتِهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ أَيْقَنُوا بِهِ وَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى مَا سَمِعُوا مِنْهُ، وَعَرَفُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صِفَتِهِ، فَصَدَّقُوهُ، وَاتَّبَعُوهُ وَكَانُوا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ الَّذِي سُبِّبَ لَهُ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ.

ثُمَّ قَالُوا: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَسَفْكِ الدِّمَاءِ، وَنَحْنُ حِرَاصٌ عَلَى مَا أَرْشَدَكَ اللهُ بِهِ مُجْتَهِدُونَ لَكَ بِالنَّصِيحَةِ، وَإِنَّا نُشِيرُ عَلَيْكَ بِرَأْيِنَا فَامْكُثْ عَلَى رِسْلِكَ بِاسْمِ اللهِ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا، فَنَذْكُرُ لَهُمْ شَأْنَكَ، وَنَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، فَلَعَلَّ الله عز وجل إن يُصْلِحَ ذَاتَ بَيْنِهِمْ، وَيَجْمَعَ لَهُمْ أَمْرَهُمْ، فَإِنَّا الْيَوْمُ مُتَبَاغِضُونَ مُتَبَاعِدُونَ، وَإِنَّكَ إِنْ تَقْدَمَ عَلَيْنَا وَلَمْ نَصْطَلِحْ لَا يَكُونُ لَنَا جَمَاعَةٌ عَلَيْكَ، وَلَكِنَّا نُوَاعِدُكَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ.

فَرَضِيَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعُوهُمْ سِرًّا وَأَخْبَرُوهُمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وَسَلَّمَ وَالَّذِي بَعَثَهُ اللهُ بِهِ وَتَلَوْا عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا قَدْ أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وسلّم: معاذ بن عَفْرَاءَ، وَرَافِعَ بْنَ مَالِكٍ: أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ يُفَقِّهْنَا وَيَدْعُو النَّاسَ بِكِتَابِ اللهِ، فَإِنَّهُ قَمِنٌ أَنْ يُتَّبَعَ.

قَالَ: فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسلم: مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ، أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ ابن قُصَيٍّ، فَنَزَلَ فِي بَنِي تَيْمٍ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ سرا، ويفشو الْإِسْلَامُ، وَيَكْثُرُ أَهْلُهُ، وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ شَدِيدٌ اسْتِخْفَاؤُهُمْ.

ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، وَهُوَ أَبُو أُمَامَةَ أَقْبَلَ هُوَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا بِئْرَ بَنِي مَرْقٍ، فَجَلَسَا هُنَالِكَ وَبَعَثَا إِلَى رَهْطٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَتَوْهُمَا مُسْتَخْفِينَ، فَبَيْنَمَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُهُمْ، وَيَقُصُّ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ أُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ: بَلْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، فَأَتَاهُمْ فِي لَأَمْتِهِ مَعَهُ الرُّمْحُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِأَبِي أُمَامَةَ: عَلَامَ تَأْتِينَا فِي دُورِنَا بِهَذَا الْوَحِيدِ الْغَرِيبِ الطَّرِيدِ