للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهَا وَيَكُونُ مُسْتَعِدًا للآخِرَةِ فهَذَا سِمَةُ الْعُقَلاءِ وَالسُّعَدَاء الَّذِينَ يُحْسِنُونَ تَصْرِيفَ أَوْقَاتِهِمْ وَأَعْمَارِهِمْ.

وَلِيَعْلَم الْمُؤْمِنُ أن الله جَلَّ وَعَلا وَتَقَدَّسَ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِن الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا يَحْمِي الْمَرِيضَ أَهْلَهُ مِن الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَخَافُونَ عَلَيْهِ.

وَعَلَى الإِنْسَان الْعَاقل أَنْ يَفْهَمْ الدُّنْيَا على حَقِيقَتِهَا فَيَنْظُرَ أَوَّلاً كَيْفَ وُلِدَ يَجِدُ أَنَّهُ وُلِدَ عَارِيًا مِنْ كُلّ شَيْءٍ حَتَّى مِن الثِّيَابِ ثُمَّ رَزَقَهُ اللهُ الْكِسْوَةَ مِن الْمَلابِسِ وَالْمَتَاعِ وَالسَّكَنِ وَالْمَالِ عَلَى أَنَّهَا عَارِيَّةٌ مُرَجَعَةُ.

فَإِذَا فَقَدْ مِنْهَا شَيْئًا فَلا يَحْزَنْ لأَنَّ مَنْ أَعَارَهُ شَيْئًا اسْتَرَدَّهُ وَسَوْفَ يُؤْخَذُ مِنْهُ كُلَّ مَا أُعْطِي وَيَخْرُجُ مِن الدُّنْيَا تَارِكًا كُلَّ شَيْءٍ.

شِعْرًا: ... وَمَا الْمَالُ وَالأَهْلُونَ إلا وَدَائِعٌ ... وَلا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ

آخر: ... تَجَرَّدْ مِن الدُّنْيَا فَإِنَّكَ إِنَّمَا ... خَرَجْتَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنْتَ مُجَرَّدً

آخر: ... فَمَا تَزَوَّدَ مِمَّا كَانَ تَجْمَعُهُ ... سِوَى حَنُوطٍ غَدَاةَ الْبَيْنِ فِي خِرَقِ

وَغَيْرَ نَفْحَةِ أَعْوَادٍ تُشَبُّ لَهُ ... وَقَلَّ ذَلِكَ مِنْ زَادٍ لِمُنْطَلَق

(حِكَمْ وَمَوَاعِظُ وَآدَاب)

قَالَ بَعْضُهُمْ يُوصِي ابْنه: يَا بُنَيَّ لا تدخل فِي الدُّنْيَا دُخُولاً يَضُر بِآخِرَتِكَ وَلا تَتْرُكْهَا تَرْكًا تَكُونُ بِهِ كلاً عَلَى النَّاسِ.

وقَالَ: أُتْرُكْ الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ تَتْرُكَكَ، وَاسْتَرْض رَبَّكَ قَبْل لِقَائِهِ، وَأعْمُرْ بَيْتَكَ الَّذِي سَوْفَ تَسْكُنُه قَبْلَ انْتِقَالِكَ إِلَيْهِ.

قَالَ أَحَدُ الصَّالِحِينَ لِمَنْ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ: كَيْفَ يَتْرُكُ الدُّنْيَا مَنْ تَأَمُرونَهُ بِتَرْكِ الدِّينَارِ وَالدِّرهِم وَهُم إِنْ الْقَوهَا أَخَذْتُمُوهَا أَنْتُمْ.

وَقَالَ آخر الْوَقْت آلة الرِّزْقِ إن اسْتُعْمِلَ، وآفةُ الرِّزْقِ إِذَا أُهْمِلْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>