للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَلابِسِهم وَجَمِيعِ أَحْوَالِهِمْ مُجَانِبِينَ لِلشُّبُهَاتِ تَارِكِينَ لِلشَّهَوَاتِ مُجْتَزِئِينَ بِالْبُلْغَةِ مِنْ الأَقْوَاتِ مُتَقَلِّلِينَ مِنْ الْمُبَاحِ مُشْفِقِينَ مِنْ الْحِسَابِ وَجِلِينَ مِنْ الْمَعَادِ عُلَمَاءُ بِأَمْرِ الآخِرَة وَأَقَاوِيلَ الْقِيَامَةِ رَاجِينَ مِنْ الْكَرِيمِ الْمَنَّانِ جَزِيلَ الثَّوَابِ وَخَائِفِينَ مِنْ أَلِيمِ الْعِقَابِ وَذَلِكَ أَوْرَثَهُمْ الْخَوْفَ الدَّائِمِ وَالْهَمَّ الْمُقِِيمِ فَشُغِلُوا عَنْ سُرُورِ الدُّنْيَا وَنَعِيمَهَا فَتَبَيَّنَ لِي فَضْلُهُمْ وَاتَّضَحَ لِي نُصْحُهُمْ وَأَيْقَنْتُ أَنَّهُمْ الْعَامِلُونَ بِطَرِيقِ الآخِرَة وَالمتأسُونَ بِالْمُرْسَلِينَ وَالْمَصَابِيحِ لِمَنْ اسْتَضَاءَ بِهِمْ وَالْهَادُونِ لِمَنْ اسْتَرْشَدَ. أ. هـ.

قُلْتُ: فَبِمِثْلِ هَؤُلاءِ إِنْ وجدُوا فَلْيَقْتَدِ الْمُقْتَدُونَ.

وَاللهُ أَعْلَمُ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

(فَصْلٌ) : قَالَ ابْنُ الْقَيِّم رَحِمَهُ اللهُ: لا يَكُونُ الْعَبْد مُتَحَقِّقًا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} إِلا بِأَصْلَيْنِ عَظِيمَيْنِ أَحَدُهُمَا: الإِخْلاص لِلْمَعْبُودِ. وَالثَّانِي: الْمُتَابَعَةِ لِلرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم -.

وَالنَّاس مُنْقَسِمُونَ بِحَسَبِ هَذَيْنِ الأَصْلَيْنِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ أَحَدُهُمْ أَهْل الإِخْلاصِ لِلْمَعْبُودِ وَالْمُتَابَعَةِ لِلرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - وَهُمْ إِيَّاكَ نَعْبُدُ حَقِيقَةً.

فَأَعْمَالُهُمْ كُلّهَا لله، وَأَقْوَالهُم للهِ، وَحُبُّهم للهِ، وَبُغْضُهُمْ للهِ.

فَمُعَامَلَتُهُمْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِوَجْهِ اللهِ وَحْدَهُ لا يريدون بذَلِكَ من النَّاس جَزَاءً وَلا شُكُورَا.

وَلا ابْتِغَاءَ الْجَاهِ عِنْدَهُمْ وَلا طَلَبَ الْمَحْمَدَةِ وَالْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِهِمْ وَلا هَرَبًا مِنْ ذَمِّهِمْ، بَلْ قَدْ عَدُوا أنفسهم من أصحابِ القبُور لا يملكون لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا ولا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورَا.

فَالْعَمَل لأجل النَّاسِ وابتغاء الجاه والمنزلة عندهم ورجائهم للضر والنفع مِنْهُمْ لا يكون من عارف بِهُمْ البتة، بل من جاهل بشأنهم وجاهل بربه فمن عرف النَّاس أنزلهم منازلهم، ومن عرف الله أخلص لَهُ أعماله وأقواله وعطاءه

<<  <  ج: ص:  >  >>