للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بك لحسن فقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: ردوه أَنَا عَنْدَ حسن ظن عبدي بي» .

ولما حضرت الإِمَام أحمد الوفاة قَالَ لولده عَبْد اللهِ: أذكر لي أحاديث الرجَاءَ، وأنشد بَعْضهمْ يوبخ نَفْسهُ:

شِعْرًا: ... أَرَانِي إِذَا حَدَّثْتُ نَفْسِي بِتَوْبَةٍ ... تَعَرَّضَ لِي مِنْ دُونِ ذَلِكَ عَائِقُ

تَقَضَّتْ حَيَاتِي فِي اشْتِغَالٍ وَغَفْلَةٍ ... وَأَعْمَالِ سُوءٍ كُلُّهَا لا تُوَافِقُ

طُرِدْتُ وَغَيْرِي بِالصَّلاحِ مُقَرَّبٌ ... وَدُونَ بُلُوغِي مَسْلَكٌ مُتَضَايقُ

وَكَيْفَ وَزَلاتُ الْمُسِيءِ كَثِيرَةٌ ... أَيَقْرُبُ عَبْدٌ عَنْ مَوَالِيهِ آبِقُ

إِلَى اللهِ أَشْكُو قَلْبَ سُوءٍ قَدْ احْتَوَى ... عَلَيْهِ الْهَوَى وَاسْتَأْصَلَتْهُ الْعَلائِقُ

وَلِي حُزْنٌ يَزْدَادُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ ... وَدَمْعُ جُفُونِي لِلْبُكَاءِ يُسَابِقُ

فَإِنْ يَغْفِرْ الْمَوْلَى الَّذِي قَدْ أَتَيْتُه ... فَذَاكَ الرَّجَا وَالظَّنُّ حِينًا يُوَافِقُ

(عَلامَةُ مَا يُولِي مِن الْفَضْل إِنْ أَنَا ... هَجَرْتُ الدُّنَا أَوْ قُلْتُ إِنَّكَ طَالِقُ)

(وَأَقْبَلْتُ فِي تَصْلِيحِ أَخْرَايَ مُدْلِجًا ... أُحَاسِبُ نَفْسِي كُلِّ مَا ذَرَّ وَشَارِقُ)

" فَصْلٌ "

قَالَ ابن القيم رَحِمَهُ اللهُ: ولا ريب أن حُسْن الظَّنِ بِاللهِ إنما يكون مَعَ الإحسان فَإِنَّ المحسن حَسَنُ الظَّنِ بربه أنه يجازيه على إحسانه ولا يخلف وعده ويقبل توبته وأما المسيء المصر على الكبائر والظلم والمخالفات فَإِنَّ المعاصي والظلم والحرام تمنعه من حُسْن الظَّنِ بربه وَهَذَا موجود فِي الشاهد فَإِنَّ الْعَبْد الآبق المسيء الخارج عَنْ طاعة سيده لا يحُسْن الظَّنِ به، ولا يجامَعَ وحشة الإساءة إحسان الظن أبدًا، فَإِنَّ المسيء مستوحش بقدر إساءته، وأحسن النَّاس ظنًا بربه أطوعهم لَهُ، كما قَالَ الحسن البصري: إن المُؤْمِن أحُسْن الظَّنِ بربه فأحسن الْعَمَل، وإن الفاجر أساء الظن بربه فأساء الْعَمَل.

<<  <  ج: ص:  >  >>