للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيْلَ: الأَمْر هكَذَا، وَالله فوق ذَلِكَ وأجل وأكرم وأجود وأرحم، ولكن إنما يضع ذَلِكَ فِي محله اللائق به، فإنه سُبْحَانَهُ موصوف بالحكمة والعزة والانتقام وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة، فلو كَانَ مُعَوَّلُ حُسْن الظَّنِ على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك فِي ذَلِكَ البر والفاجر، والمُؤْمِن والكافر، ووليه وعدوه.

فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته وقَدْ باء بسخطه وغضبه وتعرض للعنته، ووقع فِي محارمه وانتهك حرماته، بل حُسْن الظَّنِ ينفع من تاب وندم وأقلع، وبدل السيئة بالحسُنَّة، واستقبل بقية عمره بالْخَيْر والطاعة، ثُمَّ أحُسْن الظَّنِ بعدها فهَذَا هُوَ حُسْن الظَّنِ، والأول غرور وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ.

يفرق بين حُسْن الظَّنِ بالله وبين الغرور به قَالَ الله تَعَالَى (٢: ٢١٨) {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللهِ} فجعل هؤلاء أَهْل الرجَاءَ، لا الباطلين والفاسقين، وقَالَ تَعَالَى (١٦: ١١٩) {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} فأخبر سُبْحَانَهُ أنه بعد هَذِهِ الأَشْيَاءِ غفور رحيم لمن فعلها، فالعَالِم يضع الرجَاءَ مواضعه، والجاهل المغتر يضعه فِي غير مواضعه.

اللَّهُمَّ أَحْيِنَا فِي الدُّنْيَا مؤمنين طائعين وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ تائبين وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِين الأحياء مِنْهُمْ والميتين بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلّى اللهُ عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين.

(فَصْلٌ فِي نَمَاذِج مِنْ أََخْلاَقِ السَّلَفِ رَحِمهُم اللهُ)

من ذَلِكَ توصية بَعْضهمْ بَعْضًا وقُبُولهمْ لها وشكرهم للواعظ لَهُمْ، ومن وصية الإِمَام علي بن أبي طالب لابنه الحسن قَالَ فيها:

<<  <  ج: ص:  >  >>