للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقَالَ آخر: ما ابتلى أحد بشَيْء أشد من الغَفْلَة والقَسْوَة إنما كره المُؤْمِن الموت لانقطاع الأَعْمَال الصَّالِحَة وخوف الذُّنُوب، ومن شغله طلب الدُّنْيَا عَنْ الآخِرَة ذل إما فِي الدُّنْيَا وإما فِي الآخِرَة وإما بهما جميعًا.

من نظر فِي سيرة السَّلَف عرف تقصيره وتخلفه عَنْ درجات الكمال، تعرف نفسك فِي ثلاثة مواضع: إِذَا عملت فَانْظُرْ نظر الله إليك وَإِذَا تكلمت فاذكر سمَعَ الله إليك وَإِذَا سكت فاذكر علم الله فيك، تهاون بالدُّنْيَا حَتَّى لا يعظم بعينك أهلها ومن يملكها.

قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء: كَانَ الرجل فِي أَهْل العلم يزداد بعلمه بغضا للدنيا وتركًا لها، والْيَوْم يزداد الرجل بعلمه حبًا للدنيا وطلبًا لها وكَانَ الرجل ينفق ماله على علمه والْيَوْم يكسب الرجل بعلمه مالً وكَانَ يرى على طالب العلم زيادة فِي باطنه وظاهره والْيَوْم يرى على كثير من أَهْل العلم فساد فِي الظاهر والباطن.

شِعْرًا: ... يَا عَامِرَ الدُّنْيَا عَلَى شَيْبَتِهْ ... فِيكَ أَعَاجِيبُ لِمَنُ يَعْجَبُ

مَا عُذْرُ مَنْ يَعْمُر بُنْيَانَهُ ... وَعُمْرُهُ مُسْتَهْدَمٌ يَخْرَبُ

آخر: ... عَجِبْتُ لِتَغْرِيسِي نَوَى النَّخْلِ بَعْدَمَا ... طَلَعْتَ عَلَى السِّتِّينَ أَوْ كِدْتُ أَفْعَلُ

وَأَدْرَكْتُ مِلأَ الأَرْضِ نَاسًا فَأَصْبَحُوا ... كَأَهْلِ دِيَارٍ أَدْلَجُوا فَتَحَمَّلُوا

وَمَا النَّاسُ إِلا رُفْقَةٌ قَدْ تَحَمَّلَتْ ... وَأُخْرَى تُقَضَّى حَاجَهَا ثُمَّ تَرْحَلُ

ولما حضرت إبراهيم النخعى الوفاة بكى فقِيْل لَهُ فِي ذَلِكَ فقَالَ: إني أنتظر رسولاً يأتيني من ربي لا أدري هل يبشرني بالْجَنَّة أَوْ بالنار. ولما حضرت عمر بن عَبْد الْعَزِيز الوفاة، قَالَ: اللهم إني أذنبت فَإِنَّ غفرت لي فقَدْ مننت وإن عذبتني فقَدْ عدلت، وما ظلمت لكن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ثُمَّ قضى نحبه.

وكَانَ يتمثل بهذه الأبيات:

<<  <  ج: ص:  >  >>