للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ج

فَمَنْ كَانَ فِيهَا قَانِطًا فَهُوَ طَاغِنٌ ... وَمَنْ كَانَ فِيهَا آمِنًا فَهُوَ خَائِفُ

ووجد مكتوب على جدار محلة قديمة بغربي بغداد:

هَذِي مَنَازِلُ أَقْوَامٍ عَهِدتهمُ ... فَي خَفْضِ عَيْشٍ وَعِزّ مَالِهِ خَطَرُ

صَاحَتْ بِهِمْ نَائِبَاتِ الدَّهْرِ فَانْقَلَبُوا ... إِلَى الْقُبُورِ فَلا عَيْنٌ وَلا أََثَرُ

آخر:

تَرَى الَّذِي اتَّخَذَ الدُّنْيَا لَهُ وَطَنًا ... لَمْ يَدْرِي أَنَّ الْمَنَايَا عَنْهُ تُزْعِجُهُ

مَنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ مَدْرَجُهُ ... وَالْقَبْرَ مَنْزِلُهُ وَالْبَعْثُ مَخْرَجُهُ

وَأَنَّهُ بَيْنَ جَنَّاتٍ سَتُبْهِجُهُ ... يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ نَارِ سَتُنْضِجُهُ

فَكُل شَيْءٍ سِوَى التَّقْوَى بِهِ سَمَجٌ ... وَمَا أَقَامَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَسْمَجُهُ

وعن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جنازة فجلس إلى قبر منها فقال: «ما يأتي على هذا القبر يوم إلا وهو ينادي بصوت ذلقٍ طلقٍ يا ابن آدم نسيتني ألم تعلم أني بيت الوحدة وبيت الغربة وبيت الوحشة وبيت الدود وبيت الضيق إلا من وسعني الله عليه» . ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار» . رواه الطبراني في الأوسط.

ثم إن الناس في هذا المقام على أقسام منهم المنهمك في الدنيا المحب لشهواتها فهذا يغفل قلبه لا محالة عن ذكر الموت وإن ذكر به كرهه ونفر واشمأز منه وتناساه وربما كره الذي ذكر الموت وتباعد عنه، وقسم منهمك أيضًا وغارق في بحور الدنيا ولا يذكر الموت وإن ذكره فذكره له تأسفًا على دنياه ومفارقتها.

وأقرب علاج لهذا القسم أن يطيلوا التفكر ليلهم ونهارهم في أجل هذه الحياة وهم إذا فكروا في ذلك عرفوا قطعًا أنهم تاركوها ولا بد وليس ذلك بعد مائة سنة بل هم في كل لحظة مهددين بفراق الدنيا مرغمين لا مختارين ويتركون كل شيءٍ وحينئذ يستوي من يملك الملايين والعمارات والقناطير

<<  <  ج: ص:  >  >>