للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تفديها قال: نعم. قال: فاشرب ريًا بارك الله فيك فلما شرب قال له يا أمير المؤمنين. أرأيت لو منعت أخراج هذه الشربة منك إلا بالدنيا وما فيها أكنت تفتدي ذلك قال نعم قال فما تصنع بشيء شربة ماء خير منه. وهذا يبين أن نعمة الله تعالى على العبد في شربة عند العطش أعظم من ملك الأرض ثم تسهيل خروج الحدث من أعظم النعم، وهذه إشارة وجيزة إلى النعم الخاصة.

ثم اعلم أنه ما من عبد إلا إذا أمعن النظر رأى عليه من نعم الله نعمًا كثيرة لا يشاركه فيها عموم الناس بل قد يشاركه في ذلك يسير منهم من ذلك العقل فما من عبد إلا وهو راض عن الله سبحانه في عقله يعتقد أنه أعقل الناس وقلما يسأل الله العقل وإذا كان ذلك اعتقاده فيجب عليه أن يشكر الله تعالى على ذلك.

ومن ذلك الخلق فإنه ما من عبد إلا ويرى من غيره عيوبًا يكرهها وأخلاقا يذمها ويرى نفسه بريئًا منها فينبغي أن يشكر الله على ذلك حيث أحسن خلقه وابتلى غيره.

شِعْرًا:

أَيَا ابْنُ آدَمَ وَالآلاء سَابِغَةٌ ... وَمُزْنَهُ الْجُودِ لا تَنْفَكُّ عَنْ دِيَمِ

هَلْ أَنْتَ ذَاكِرٌ مَا أُولِيتَ مِنْ حَسَنٍ ... وَشَاكِرٌ كُلَّ خُوِّلْتَ مِنْ نِعَمِ

بَرَاكَ بَارِئُ هَذَا الْخَلْق مِنْ عَدَمٍ ... بَحْتٍ وَلَوْلاهُ لَمْ تَخْرُجْ مِنَ الْعَدَمِ

أَنْشَأَكَ مِنْ حَمَأ وَلا حِرَاكَ بِهِ ... فَجِئْتَ مُنْتَصِبًا تُمْسِي عَلَى قَدَمِ

مُكَمَّلُ الأَدَوَاتِ آيَةً عَجَبًا ... مُوَفَّرَ الْعَقْلِ مِنْ حَظٍّ وَمِنْ فَهْمِ

تَرَى وَتَسْمَعْ كُلا قَدْ حُبِيتَ بِهِ ... فَضْلاً وَتَنْطِقُ بِالتَّبْيِينِ وَالْكَلم

هَدَاكَ بِالْعِلْمِ سُبُلَ الصَّالِحِينَ لَهُ ... وَكُنْتُ مِنْ غَمَرَاتِ الْجَهْلِ فِي ظلمِ

مَاذَا عَلَيْكَ مِنْ نِعْمَةٍ غَمَرَتْ ... كُلَّ الْجِهَاتِ وَلَمْ تَبْرَحْ وَلَمْ تَرِمِ

غَرَّاءُ كَالشَّمْسِ قَدْ أَلْقَتْ أَشِعَّتهَا ... حَتَى لَيُبْصِرهَا عَلَيْكَ كُلُّ عَمِيْ

<<  <  ج: ص:  >  >>