للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَصْلٌ)

في ذِكْرِ بَعْضِ سِيْرَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيْزِ

وَزُهْدِهِ وَوَرَعِهِ وَعَدْلِهِ

انْصَافُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَأَقَارِبِه رَحِمَهُ اللهُ تَعَالى فَعِنْدَمَا تَوَلَّى أَخَذَ جَوْاهَرَ زَوْجَتِهِ وَحُلِيّهَا فِيْمَا أَخَذَ فَأَوْدَعَهُ بَيْتَ المَالِ حَتَّى إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ المُسْلِمُونَ أَنْفَقَهُ عَلَيْهِمْ.

وَعِنْدَمَا أَحَسَّ أَنَهَا لَمْ ترض أَوَّلَ الأَمْرِ كُلَّ الرِّضَا بِمَا فَعَلَ خَيَّرَهَا بَيْنَ أَنْ تُقِيْمَ عِنْدَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَلْحَقَ بِأَهْلِهَا فَرضِيَتْ أَنْ تُقِيْمُ عِنْدَهُ وَأنْ تَدْفَعَ بِحُلِيَّهَا وَجَوَاهِرِهَا إلى بَيْتِ المَالِ ثُمَّ لا تَرُدُّهُ إِلَيْهَا أبَداً. وَمَا زَالَ عُمَرُ في زَوْجَتِهِ حَتَّى أَثَّرَ عَلَيْهَا وَاقْتَدَتْ بِهِ في الوَرَعِ وَالزُّهْدِ رَضيَ اللهُ عَنْهُمَا. وَكَمَا فَعَل عُمَرُ مَعَ زَوْجَتِهِ فَاطِمَةَ فَعَلَ بِأَوْلاَدِهِ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ.

أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ ابْنَتُهُ بلؤلوةٍ وَقَالَتْ لَهُ: إِنْ رَأَيْتَ أَنْْ تَبْعَثَ لِيْ بأخْتِهَا حَتْى أَجْعَلَها في أُذِنَيَّ فأرَسْلَ لَهَا بِجَمْرَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَها إن اسْتَطعْتِ أنْ تَجْعَلِي هَاتَينِ الجَمْرَتَيْنِ في أذُنَيكِ بَعثتُ إلَيْكِ بِأخْتِهَا.

وَبَلَغَ عُمَرَ أَنَّ ابْنَهُ اشْتَرَى فَصَّ خَاتَمٍ بِأَلْفِ درْهَمٍ فَكَتَبَ عَزِيْمَةٌ مِنِّيْ عَليْكَ إلا بِعْتَ هَذا الخَاتَمَ الذِي اشْتَرَيْتَهُ بِألْفِ درْهَمٍ وَتَصَدَّقْتَ بثَمَنِهِ اشْتَرَيْتَ آخَرَ بِدْرَهمٍ نَقَشَتْ عَلَيْهِ: رَحِمَ اللهُ امْرَأً عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ. وَالسَّلامُ.

وَجَمَعَ يَوْماً رُؤَسَاءِ النَّاسِ فَخَطَبَهُم فَقَالَ: إِنَّ فَدَكَ كَانَتْ بيَدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَضَعُهَا حَيْثُ أَرَاهُ اللهُ ثُمَّ وَليهَا أبو بَكرٍ وَعُمَرُ كَذلِكَ قالَ الأَصْمَعِيُّ وَمَا أدْرَي مَا قَال في عُثْمَانَ ثمْ قَال أَنَّ مَرْوَانَ أقْطَعَهَا فَحَصَل لِيْ مِنْهَا نَصِيْبٌ وَوَهَبَنِيْ الوَلِيْدِ وَسُلْيمَانُ نَصِيْبَهُما وَلمْ يَكُنْ من مالي شىء أرده أغلى منها وقد رددتها فى بيت المال على ما كانت عليه فى زَمانِ رَسُولِ الله صَلى اللهُ عليه وسَلم.

قال فَيئِسَ النَّاسُ عِنْدَ ذَلِكَ مِنَ المَظَالِمَ ثُمَّ أَمَرَ بأمْوَالِ جَمَاعَةً مِنْ بَنِيْ أُمَيَّة فَرَدُّوْهَا إلى بَيْتِ المالِ وَسَمَّاهَا أمْوَالُ المظالِم فاسْتَشَْفعَ إِلْيهِ النَّاسُ وتَوَسَّلُوا إِلَيْهِ بعَمتِهِ فَاطِمَةِ بِنْتِ مَرْوانَ فَلمْ يَنْجَعْ فِيْهِ شَئٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>