للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَمْ مِنْ خُطُوبٍ قَدْ طَوَتْنِي كَثِيرَةٍ ... وَكَمْ مِنْ أُمُورٍ قَدْ جَرَتْ وَأُمُورِ

وَكَمْ مِنْ لَيَالٍ قَدْ أَرَتْنِي عَجَائِبًا ... لَهُنَّ وَأَيَّامٍ خَلَتْ وَشُهُورِ

وَمَنْ لَمْ تَزدْهُ السِّنُّ مَا عَاشَ عِبْرَةً ... فَذَاكَ الَّذِي لا يَسْتَضِيء بِنُورِ

مَتَى دَامَ في الدُّنْيَا سُرُورٌ لأَهْلِهَا ... فَأَصْبَحَ فِيهَا وَاثِقًا بِسُرُورِ؟

اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا بَدِيعَ السَّمَاواتِ وَالأَرْضِ نَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِّقَنَا لِمَا فِيهِ صَلاحُ دِينِنَا وَدُنْيَانَا وَأَحْسِنْ عَاقِبَتَنَا وَأَكْرِمْ مَثْوَانَا وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(فَصْلٌ)

في مَآلِ الإِنْسَانِ وَمَصِيرِهِ

قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءَ: بَيْنَمَا الإِنْسَانُ فِي صِحَّتَهِ مُتَمَتِّعًا فَرِحًا بِقُوَّتِهِ وَشَبَابِهِ يَخْطُرُ لَهُ الضَّعْفُ عَلَى قَلْبِ وَلا الْمَوْتُ عَلَى بَال إِذْ هَجَمَ عَلَيْهِ الْمَرَضُ وَجَاءَ الضَّعْفُ بَعْدَ الْقُوَّةِ وَحَلَّ الْهَمُّ مِنْ نَفْسِهِ مَحَلَّ الْفَرَحِ وَالْكَدَرُ مَكَانَ الصّفَاءِ وَلَمْ يَعُدْ يُؤَنِّسُه جَلِيسٌ وَلا يُرِيحَهُ حَدِيثٌ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ الْعَلِّي الْعَظِيم قَدْ سَئِمَ وَمَلَّ مِمَّا كَانَ يَرْغَبُهُ فِي أَيَّامِ صِحَّتِهِ وَصَارَ لا يَشْتَهِي الْغِذَاء وَيَكْرَهُ تَنَاوَلَ الدَّوَاءِ عَلَى بَقَاءِ فِي لبَهِ وَصِحَّتُهُ فِي عَقْلِهِ يُفَكِّرُ فِي عُمُر أَفْنَاهِ وَشَبَابٍ أَضَاعَهُ فِي الْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ وَعِنْدَ الْمَلاهيِ والْمُنْكَرَاتِ.

وَيَتَذَكَّرُ أَمْوالاً جَمَعَها وَدُورًا بَنَاهَا وَقُصُورًا شَيَّدَهَا وَضِيَاعًا جَدَّ وَكَدَّ فِي حِيَازَتِهَا وَيَتَأَلَّمُ لِدُنْيَا فَارَقَها وَيَتْرُكُ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا يَخَافُ عَلَيْهِمْ الضَّيَاعَ مِنْ بَعْدِهِ مَعَ اشْتِغَالِ نَفْسِهِ بِمَرَضِهِ وَآلامِهِ وَتَعَلُّقِ قَلْبِهِ بِمَا يُعَجِّلُ شِفَاءَهُ وَلَكِنْ مَا الْحِيلَةُ إِذَا اسْتَفْحَلَ الدَّاءُ وَلَمْ يُفِدِ الدَّوَاءُ وَحَارَ الطَّبِيبُ وَيَئِسَ الْحَبِيبُ {وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ} .

عِنْدَ هَذَا يَسْتَشْعِرُ النَّدَمَ عَلَى مَا مَضَى وَيَحُسُّ بِعَوَاقِبِ التَّفْرِيطِ وَالإِهْمَالِ

وَقَدْ تَغَيَّرَ لَوْنَهُ وَغَارَتْ عَيْنَاهُ وَمَالَ عُنُقُهُ وَأَنْفُهُ وَذَهَبَ حُسْنُهُ وَجَمَالُهُ وَخَرِسَ لِسَانُهُ وَصَارَ بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ يَنْظُر وَلا يَفْعَلَ وَيَسْمَعُ وَلا يَنْطِق يُقَلِّبُ بَصَرَهُ فِيمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَوْلادِهِ وَأَهْلِهِ وَإِخْوَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>