للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتصرف يسير. وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

(٦) مَوْعِظة

كَتَبَ الحَسَنُ إلى عُمَر بنِ عبدِ العزيز في ذَمِّ الدُّنْيَا كِتابًا طَويلاً قال فيه: أمَّا بعدُ فَإنّ الدُّنيا دَارُ ظَعَنٍ ليْسَتْ بدارِ مُقَامِ وإنّما أُنزلَ إليهَا آدمُ عُقوبةً فاحْذرْهَا يا أَميرَ المؤمنين فإنَّ الزّادَ منهَا تَركُها والغِنَى فيها فَقرُهَا تُذلّ من أَعزّها وَتُفقرُ منْ جمعها كالسُّمِ يأَكلهُ مَن لا يَعْرفُهُ وَهُوَ حَتْفُه فاحْذرْ هَذِهِ الدّارَ الغرّارةَ الخَتّالةَ الخدّاعةَ وكُن أَسَرَّ ما تَكونُ فِيهَا أحذَرْ ما تكونُ لهَا، سُرورُهَا مشُوبٌ بالحُزنِ وَصفوها مشُوبٌ بالكَدِر فلوْ كان الخَالقُ لم يُخْبره عنْها خبرًا وَلم يَضْرِبْ لَهَا مَثَلاً لَكُنْتُ قَدْ أَيقظْتُ النَّائِمَ ونبَّهتُ الغَافلَ فَكيفَ وَقدْ جَاء مِن اللهِ عزّ وجلّ عنها زَاجِرٌ وَفِيهَا واعِظٌ فما لَهَا عِنْدَ الله سبحانه قَدْرٌ ولا وَزْنٌ، ما نَظَرَ إليها مُنذُ خَلقَها وَلَقَدْ عُرِضَتْ على نبيّنا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَفاتِيحُهَا وَخَزَائنُهَا لا يَنقصُ عند الله جَناحَ بَعوضةٍ فأَبى أنْ يَقبَلَهَا وَكَرِهَ أن يُحبَّ ما أبغَضَهُ خَالقهُ أو يَرفَعَ ما وَضَعه مليكُه، زَواها اللهُ عن الصّالحين اختيارًا، وَبَسَطَهَا لأعْدَائِه اغْتِرَارًا أَفَيَظُنُّ المغْرورُ بها أنّه أُكْرِمَ بِهَا وَنَسِيَ ما صَنَعَ اللهُ بمحمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حينَ شدَّ على بَطْنِهِ الحَجَرَ، واللهِ ما أحدٌ مِنَ النَّاسِ بُسِطَ لَهُ في الدُّنيا فَلمْ يَخَفْ أَنْ يَكُونَ مَكْرًا إلا كان قَدْ نقَص عقْلُه وَعَجَزَ رَأيهُُ وما أَمْسَكَ عن عَبدٍ فلم يَظُنّهُ خيرًا لهُ فيهَا إلا نَقَصَ عقْلُهُ وَعَجَزَ رأيهُ.

شِعْرًا:

إِلَى دُنْيَاكَ انْظُرْ بِاعْتِبَارٍ ... تَجِدْهَا دَارَ ذُلٍّ مَعَ فَنَاءِ

إلَى كَمْ تَحْمِلُ الأوْزَارَ فِيهَا ... مَعَ الشَّهَواتِ تَسْرِي يا مُرَائِي

أَمَا آنَ انْتِبَاهَكَ مِنْ غُرُورٍ ... بِهِ أَصْبَحْتَ بَيْنَ الأَغْبِيَاءِ

تَيِقَّظْ وانْتَبِهْ واقْبِلْ بِقَلْبٍ ... عَلَى مَوْلاكَ تَظْفَرْ بِاهْتِدَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>