للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإذَا فَوَّتَ العَبْدُ على نَفْسِهِ هَذا الربْحِ، وَكَثيرٌ مِن العُلَماءِ يَقُولُ: لا صَلاةَ لَهُ وَهُوَ بَارِدُ القَلْب فارغٌ مِن هَذِهِ الْمُصِيبةِ غَيرُ مُرْتَاعٍ لَهَا فَهَذَا مِنْ عَدَم تَعْظِيمِ أَمْرِ اللهِ تَعَالى فِي قَلْبِهِ وَكَذَلِكَ إذا فَاته أَوَّلُ الوَقْتِ الذي هو رضوانُ اللهِ تَعَالى، أوْ فَاتَه الصَّفُ الذي يُصَلِّي اللهُ وَمَلائِكَتُه عَلَى مَيَامِنِهِ وَلَوْ يَعلمُ العَبْدُ فَضِيْلَتَهُ لَجَالَدَ عَليهِ وَلَكَانَتْ قُرْعَةً.

وكذلكَ لو فَوَّتَ الجَمْعَ الكَثيرَ الذي تُضَاعَفُ الصَّلاةُ بِكَثْرَتِهِ وَكُلَّمَا كَثُرَ الجَمْعُ كانَ أَحَبَّ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلَّمَا بَعُدَتْ الخُطَا كَانَ كُلَ خُطْوَةٍ تَحُطُّ خَطِيئةً وَأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً وَكَذَلِكَ لَوْ فَوَّتَ الخُشُوعَ في الصَّلاةِ وَحُضَورَ القلبِ فِيمَا بَيْنَ يَدَي الرَّبِ وَتَعَالى الذي هُوَ رُوحُ الصَّلاة وَلُبُّهَا فَصَلاةٌ بِلا خُشُوعٍ ولا خُضُوعٍ كَبَدَنٍ مَيّتٍ لا رُوحَ فِيهِ أَفَلا يَسْتَحِي العبد أَنْ يُهْديَ إلى مَخْلُوقٍ مِثْلِهِ عَبْدًا مَيِّتًا أَوْ جَارِيَةً مَيِّتَةً، فَمَا ظَنُ هَذَا العَبْدِ أَنْ تَقَعَ الهِديَّةُ مِمَّنْ قَصَدَهُ بِهَا مِنْ مَلِكٍ أَوْ أَمِيرٍ أَوْ غَيرِهِ، فَهَكَذَا سُوء الصَّلاةِ الخَالِيَةِ مِنْ الخُشُوعِ والحُضُورِ وَجَمْعِ الهِمَّةِ عَلَى اللهِ تَعَالى فِيهَا بِمَنْزِلةِ هَذِهِ الأمَةِ أَوْ العَبْدِ الْمَيِّتِ الذي يُريدُ إهْدَاءَهُ إلى بَعْضِ الْمُلْوكِ.

وَلِهَذا لا يَقْبَلُهَا اللهُ تَعَالى مِنه وإنْ أسقَطتْ الفُرض في أحكام الدنيا ولا يُثِيبُه عَلَيْهَا فَإنَّهُ لَيْسَ لِلْعَبِدِ مِن صَلاتِهِ إلا مَا عَقَلَ مِنْهَا، كَمَا في السُّنَنِ وَمَسندِ الإمَامِ أحمدَ وَغَيْرِهِ عَن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِن العَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلاةَ وَمَا كَتبَ لَهُ إلا نَصْفِهَا، إلا ثُلُثَهَا، إلا رُبُعَهَا، إلا خُمُسَهَا، حَتَّى بَلَغَ عُشْرَهَا» . وَيَنْبغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ سَائِرَ الأَعْمَالِ تَجْرِي هَذَا المَجْرَى فَتَفَاضُلُ الأعمالِ عندَ اللهِ تعالى بِتَفاضُلِ مَا في القُلُوبِ مِن الإِيمان والإِخلاصِ والمَحَبَّةِ وتوابِعِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>