للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ: وَلما بلغ رَسُول الله ? خُرُوجُ قُرَيْش اسْتَشَار أَصْحَابَهُ، فَتَكَلَّمَ الْمُهَاجِرُونَ فَأَحْسَنُوا، فَاسْتَشَارَهُمْ ثَانِيًا فَتَكَلَّمُوا أَيْضًا فَأَحْسَنُوا، ثُمَّ اسْتَشَارَهُمْ ثَالِثًا، ثُمَّ قَالَ: «أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ» . يُرِيدُ بِذَلِكَ الأَنْصَارَ، لأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ القَوْمِ عَدَدًا، وَكَانُوا قَدْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْنَعُوهُ في دِيَارِهِمْ، أَمَّا في خَارِجِ دِيَارِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ عَهْدٌ يُلْزِمُهُمْ بِذَلِكَ، إِلا أَنْ يَرَوْا ذَلِكَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمُوا أَنَّهُ يَعْنِيهِمْ، فَبَادَرَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّكَ تُرِيدُنَا. قَالَ: «أَجَلْ» . فَقَالَ سَعْدُ: إِنَّكَ عَسَى أَنْ تَكُونَ خَرَجْتَ لأَمْرٍ، وَأَحَدَثَ اللهُ لكَ غَيْرَهُ، فَانْظُر الذِي أَحْدَثَ اللهُ إِلَيْكَ، فَامْضِ إِلَيْهِ، فَإِنَّا قَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ، وَأَعْطَيْنَاكَ عُهُودَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَلَعَلَّكَ يَا رَسُولَ اللهِ تَخْشَى أَنْ لا تَكُونَ الأَنْصَارِ تَرَى عَلَيْهَا، أَنْ لا يَنْصُرُوكَ إِلا في دِيَارِهِمْ، وَإِنِّي أَقُولُ عن الأَنْصَارِ وَأُجِيبُ عَنْهُمْ، فَاظْعَنْ يَا رَسُولَ اللهِ حَيْثُ شِئْتَ، وَصِلْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَاقْطَعْ حَبْلَ مَنْ شِئْتَ، وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْتَ، وَأَعْطِنَا مِنْهَا مَا شِئْتَ، وَمَا أَخَذْتَ مِنَّا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِمَّا تَرَكْتَ، وَمَا أَمَرْتَ فِيهِ مِنْ أَمْرٍ فَأَمْرُنَا تَبَعٌ لأَمْرِكَ، فَوَاللهِ لَئِنْ سِرْتَ حَتَّى تَبْلُغَ البَرْكَ مِنْ غُمْدَانَ لَنَسِيرَنَّ مَعَكَ، وَاللهِ لَوْ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا البَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ، مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا، إِنَّا لَصُبُرٌ في الْحَرْبِ، صُدَّقٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَلَعَلَّ اللهَ يُرِيكَ مِنَّا مَا تُقرُّ بِهِ عَيْنُكَ، فَسِرْ عَلَى بَرَكَةِ اللهِ، فَسُرَّ لِذَلِكَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْبَسَطَ وَجْهُهُ، وَبَدَا عَلَيْهِ البِشْرُ وَالرِّضَى والنَّشَاطُ.

وَقَالَ لَهُ الْمِقْدَادُ: لا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى لِمُوسَى

<<  <  ج: ص:  >  >>