للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ سَبَبُهَا أَنَّ قُرَيْشًا لَمَّا رَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ، وَقَدْ قُتِلَ أَشْرَافُهُم، وَأَصِيبُوا بِتِلْكَ الْمُصِيبَةِ التِي لَمْ يُصَابُوا بِمِثْلِهَا، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بِعَيْرِهِ، مَشَى عَبْدُ اللهِ بنُ أَبِي رُبَيْعَةَ، وَعِكْرَمَةُ بنُ أَبِي جَهْلٍ، وَصَفْوَانُ بن أُمَيَّةَ، فِي رِجَالٍ مِن قُرَيْشٍ مِمَّنْ أُصِيبَ آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَكَلَّمُوا أَبَا سُفْيَانَ بِنْ حَرْبِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ تِجَارَةً، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ، وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ، فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ، فَلَعَلَّنَا أَنْ نُدْرِكَ مِنْهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنَّا فَفَعَلُوا، وَفِيهِمْ - كَمَا قَالَ ابنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ - نَزَلَتْ الآيةُ قَوْلُهُ تَعَالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} .

وَأَخَذَتْ قُرَيْشُ تُعِدُّ لِذَلِكَ الْعُدَّةَ، وَتَرْصُدُ الأَمْوَالَ، وَتُعْبِئُ الْقُوَى، وَتَجْمَعُ السِّلاح َ، وَبَعَثَتْ رُسُلَهَا فِيمَنْ حَوْلَهَا مِنْ قِبَائِلِ الْعَرَبِ تَسْتَنْصِرُهُمْ، وَتَسْتَعِينُ بِهِمْ عَلَى تَمْكِينِ الضَّرْبَةِ، وَكَانَ مِنْ هَؤُلاءِ الرُّسُلِ أَبُو عَزَّةَ عَمْرُو بن عَبْدُ اللهِ الْجُمَحِي، قَدْ مَنَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَكَانَ فَقِيرًا، ذَا عِيَالٍ وَحَاجَةٍ، فَأَطْلَقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلا فِدَاء، وَأَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيَثاقَ أَنْ لا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدَا، وَلا يكُثْرُ عَلَيْهِ جَمْعَا، فَنَقَضَ الْعَهْدَ وَالْمِيَثَاقَ، وَذَهَبَ مَعَ الذَّاهِبِين إِلَى كَنَانَةَ وَتِهَامَةَ يُحَرِّضُ عَلَى الْقِتَالِ، قِتَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكَثِّرُ عَلَيْهِ.

وَهَكَذَا ظَلَّتْ قُرَيْشٌ طِوَالَ عَامِهَا تَبْذِلُ مِنْ أَمْوَالِهَا، وَتَجْمَعُ مِنْ أَنْصَارِهَا، وَتُعِدُّ مِنْ قُوَّتِهَا، حَتَّى بَلَغَتْ مِنْ ذَلِكَ مَا أَرَادَتْ وَغَدَتْ فِي أَتَمِّ أُهْبَةٍ، وَأَكْمَلِ اسْتِعْدَادٍ، فَلَمْ تَلْبَثْ حَتَّى حَصَلَتْ عَلَى جَيْشٍ لَجِبٍ، مِنْ رِجَالِهَا، وَمِمَّنْ حَالَفَهَا مِنْ الأَحَابِيشِ، مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَبَنِي الْهُونِ بن خُزَيْمَةَ، وَتَوَجَّهَتْ إِلى الْمَدِينَةِ فِي حَمَاسَةِ الْمَوْتُورِ، وَسُورَةِ الْمُغِيظِ الْمُحَنقِ، لِتَضْرِبَ الضَّرْبَةَ الْقَاضِيَةِ فِي زَعْمِهَا، وَأَبَتْ نِسَاءُ قُرَيْشٍ إِلا أَنْ يَكُنَّ مَعَ الْجَيْشِ يُحَمِّسْنَ الرِّجَالَ، وَيُثِرْنَ الْحَمِيَّةِ، فَخَرَجَ مِنْهُنَّ مِنْ رَبَّاتِ الْخُدُورِ نَحْوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً، عَلَى رَأْسِهِنَّ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ، زَوْجُ أَبِي سُفْيَانَ بن حَرْبٍ، وَخَرَجَ مَعَ الْجَيْشِ أَبُو عَامِرٍ الأَوْسِي الْفَاسِقُ، وَكَانَ مُقَاوِمًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُبَاعِدًا لَهُ، وَمُنْكرًا لِنُبُوَّتِهِ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَرَهِبًّا يَزْعُمُ أَنَّهُ يَنْتَظِرُ النَّبِيِّ الْمَبْعُوثَ، وَيَذْكُرُ لِلنَّاسِ كَثِيرًا مِنْ صِفَاتِهِ، يَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>