للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَضَعَهَا حِينَ جُرِحَ، فَأَمِيطَتْ يَدُهُ عَنْ جِرَاحَتِهِ، فَانْبَعَثَتْ الدَّمْ فَرُدَّتْ إِلى مَكَانِهَا، فَسَكَنَ الدَّمُ وَمَا تَغَيَّرَ مِنْ حَالِهِ قَلِيلٌ وَلا كَثِيرٌ، قِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْت أَكْفَانَهُ فَقَالَ: إِنَّمَا دُفِنَ فِي نَمِرَةٍ خُمِّرَ بِهَا وَجْهَهُ وَعَلى رِجْلِيْهِ الْحَرْمَلِ فَوُجَدِتِ النَّمِرَةُ كَمَا هِيَ وَعَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلُ عَلَى هَيْأَتِهِ وَبَيْنَ ذَلِكَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً.

وَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ الله ? مِنْ دَفْنِ أَصْحَابِهِ رَكِبَ فَرَسَهُ وَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْمَدِينَةِ والْمُسْلِمُونَ مِنْ حَوْلِهِ، أَكْثَرُهُمْ جَرْحَى، يَتَحَامَلُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، مِمَّا بِهِمْ مِنْ شِدَّةِ الْجُهْدِ، وَيَتَلاوَمُونَ عَلَى الزَّلَةَ وَيَتَجَاوَزَ لَهُمْ عَنْهَا.

وَلَمَّا وَصَلَ رَسُولُ اللهِ ? إِلى الْمَدِينَةِ، وَجَدَ النِّسَاءَ عِنْدَ بَابِهَا يَبْكِينَ قَتْلاهُنَّ، فَلَمَّا رَأَيْنَهُ مُقْبِلاً نَسِينَ مَا هُنَّ فِيهِ مِن الْحُزْنِ، وَأَسْرَعْنَ إِلَيْهِ، يَنْظُرْنَ إِلى سَلامَتِهِ، فَلَمَّا رَأَينَهُ فِي سَلامَةٍ، هَانَتْ عَلَيْهِنَّ الْمُصِيبَةُ.

وَجَاءَتْ أُمُ سَعْدِ بن مُعَاذٍ تَعْدُو نَحْوَهُ، وَتَتَأَمَّلُهُ حَتَّى إِذَا اطْمَأَنَّتْ عَلَى سَلامَتِهِ، قَالَتْ: أَمَّا إِذَا رَأَيْتُكَ سَالِمًا فَقَدْ اشْوَتِ الْمُصِيبَةُ فَعَزَّاهَا رَسُولُ اللهِ ? بِابْنِهَا عَمْرِو بن مُعَاذٍ، ثُمَّ قَالَ لَهَا: «يَا أُمَّ سَعْدٍ، أَبْشِري وَبَشِّرِي أَهْلِيهِمْ أَنَّ قَتْلاهُمْ تَرَافَقُوا فِي الْجَنَّةِ جَمِيعًا» . قَالَتْ: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ، وَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا.

ثُمَّ قَالَتْ: ادْعُ يَا رَسُولَ اللهِ لِمَنْ خَلَّفُوا، قَالَ: «اللَّهُمَّ أَذْهِبْ حُزْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ، وَأَحْسِنْ الْخَلَفَ عَلَى مَنْ خَلَّفُوا ثُمَّ عَزَمَ رَسُولُ اللهِ ? عَلَى أَصْحَابِهِ، مِن الْجَرْحَى أَنْ يَرْكَنُوا إِلى بُيُوتِهِمْ، وَلِيُدَاوُوا جِرَاحَهُمْ، فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ كُلُّ مَجْرُوحٍ، وَبَاتُوا يُوقِدُونَ النَّارَ، وَيُكَمِّدُونَ بِهَا الْجِرَاحَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>