للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَكَانَ لأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ - الأَرْضُ الْمُغِلَّةُ - تُدِرُّ عَلَيْنَا غَلَّةً كَبِيرَةً وَكَانَ أَبِي يَقُومُ عَلَيْهَا وَيَجْنِي غَلَّتَهَا.

وَفِي ذَات مَرَّةٍ شَغَلَهُ عَنْ الذَّهَابِ إِلى الْقَرَيْةِ شَاغِلٌ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ عَنْ الضَّيْعَةِ بِمَا تَرَى فَاذْهَبْ إِلَيْهَا وَتَوَلَّى الْيَوْمَ عَنِّي شَأْنَهَا فَخَرَجْتُ أَقْصُدُ ضَيْعَتَنَا.

وَبَيْنَمَا أَنَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ مَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ فَلَفَتَ ذَلِكَ انْتِبَاهِي وَذَلِكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَعْرَفُ شَيْئاً مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى وَلا أَمْرَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَصْحَابِ الأَدْيَانِ لِطُولِ مَا حَجَبَنِي أَبِي عَنْ النَّاسِ فِي بَيْتِنَا.

فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ لأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُونَ، فَلَمَّا تَأَمَّلْتُهُمْ أَعَجَبَتْنِي صَلاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي دِينِهِمْ وَقُلْتُ: وَاللهِ هَذَا خَيْرٌ مِن الذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، فَوَاللهِ مَا تَرَكْتُهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَلَمْ أَذْهَبْ إِلى ضَيْعَةِ أَبِي ثُمَّ سَأَلْتُهُمْ: أَيْنَ أَصْلُ هَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا: فِي بِلادِ الشَّامِ.

وَلَمَّا أَقْبَلَ اللَّيْلُ عُدْتُ إِلى بَيْتِنَا فَتَلَقَّانِي أَبِي يَسْأَلُنِي عَمَّا صَنَعْتُ فَقْلُتْ: يَا أَبَتِ إِنِّي مَرَرْتُ بأُنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ فَأَعْجَبَنِي مَا رَأَيْتُ مِنْ دِينِهِمْ وَمَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَذُعِرَ أَبِي مِمَّا صَنَعْتٌ.

وَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ، قُلْتُ: كَلا - وَاللهِ - إِنَّ دِينَهُمْ لِخَيْرٌ مِنْ دِينَنَا، فَخَافَ أَبِي مِمَّا أَقُولُ وَخَشِيَ أَنْ أَرْتَدَّ عَنْ دِينِي وَحَبَسَنِي بِالْبَيْتِ وَوَضَعَ قَيْداً فِي رِجْلِي.

وَلَمَّا أُتِيحَتْ لِي الْفُرْصَةُ بَعَثْتُ إِلى النَّصَارَى أَقُولُ لَهُمْ إِذَا قَدِمَ عَلَيْكُمْ رَكْبٌ يُرِيدُ الذَّهَابَ إِلى بِلادِ الشَّامِ فَأَعْلِمُونِي فَمَا هُوَ إِلا قَلِيلٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>