للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غَافِل عَنْهَا وكيفما كَانَ فَلا بُدَّ مِنْ العبور، فمن وقف يبَنِي على القنطرة، ويزينها بأصناف الزينة، وَهُوَ يستحث على العبور فهو فِي غاية الجهل والحمق. المثال الثاني: شهوات الدُّنْيَا فِي الْقَلْب كشهوات الأطعمة فِي المعدة، وسوف يجد الْعَبْد عِنْدَ الموت لشهوات الدُّنْيَا فِي قَلْبهُ من الكراهة والنتن والقبح مَا يجده للأطعمة اللذيذة إِذَا انتهت فِي المعدة، غايتها، وكما أن الأطعمة كُلَّما كَانَتْ ألذ طعمًا وأكثر دسمًا وأكثر حلاوة كَانَ رجيعها أقذر، فكَذَلِكَ كُلّ شهوة كَانَتْ فِي النفس ألذ وأقوى فالتأذي بها عِنْدَ الموت أشد، كما أن تفجع الإِنْسَان بمحبوبه إِذَا فقده يقوى بقدر محبه المحبوب.

شِعْرًا: ... طَالِبُ الدُّنْيَا بِحِرْصٍ وَعَجْل ... إِنَّمَا الدُّنْيَا كَظِلٍّ مُنْتَقِلْ

نَحْنُ فِيهَا مِثْلُ رَكْبٍ نَازِلٍ ... لِمِقِيلٍ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلْ

شِعْرًا: قَالَ بَعْضُهُمْ يخاطب نَفْسهُ:

إلى مَ أَرَى يَا قَلْبُ مِنْكَ التَّرَاخِيَا ... وَقَدْ حَلَّ وَخْطُ الشَّيْبِ بِالرَّأْسِ ثَاوِيَا

وَأَخْبَرَ عَنْ قُرْبِ الرَّحِيلِ نَصِيحَةً ... فَدُونَكَ طَاعَاتٍ وَخَلِّ الْمَسَاوِيَا

وَعُضَّ عَلَى مَا فَاتَ مِنْكَ أَنَامِلاً ... وَفَجِّرْ مِنَ الْعَيْنِ الدُّمُوعَ الْهَوَامِيَا

فَكَمْ مَرَّةٍ وَافَقْتَ نَفْسًا مَرِيدَةً ... فَقَدْ حَمَّلَتْ شَرًّا عَلَيْكَ الرَّوَاسِيَا

وَكَمْ مَرَّةٍ أَحْدَثْتَ بِدْعًا لِشَهْوَةٍ ... وَغَادَرْتَ هَدْيًا مُسْتَقِيمًا تَوَانِيَا

وَكَمْ مَرَّةٍ أَمْرَ الإِله نَبَذْتَهُ ... وَطَاوَعْتَ شَيْطَانًا عَدُوًّا مُدَاجِيَا

وَكَمْ مَرَّةٍ قَدْ خُضْتَ بَحْرَ غِوَايَةٍ ... وَأَسْخَطْتَ رَبًّا بِاكْتِسَابِ الْمَعَاصِيَا

وَكَمْ مَرَّةٍ بِرَّ الإِلهِ غَمَضْتَهُ ... وَقَدْ صِرْتَ فِي كُفْرَانِهِ مُتَمَادِيَا

وَلا زِلْتَ بِالدُّنْيَا حَرِيصًا وَمُولَعًا ... وَقَدْ كُنْتَ عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ سَاهِيَا

فَمَا لَكَ فِي بَيْتِ الْبَلا إِذَ نَزَلْتَهُ ... عَنْ الأَهْلِ وَالأَحْبَابِ وَالْمَالِ نَائِيًا

فَتُسْأَلَ عَنْ رَبٍّ وَدِين مُحَمَّدٍ ... فَإِنْ قُلْتُ هَاهٍ فَادْرِ أَنْ كُنْتَ هَاوِيَا

وَيَأْتِيكَ مِنْ نَارِ سَمُوم أَلِيمَة ... وَتُبْصُرُ فِيهَا عَقْرَبًا وَأَفَاعِيَا

<<  <  ج: ص:  >  >>