للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكيف يَتَصوَّر المرء أن يَنهى الإسلام عن الظلم ويحرّمه في المكيل والموزون، وهي دنيا فانية، ولا ينهى أشدّ من ذلك عن بخس الناس حقوقهم المعنوية، ويحرّمه أشد من ذلك، في حين أن هذه الحقوق تتعلق بقلب الإنسان وضميره ونفسه وإنسانيته وإيمانه وآخرته؟!!.

إن الذي نستفيده من نصوص تحريم الظلم في المكيل والموزون هو تحريم ظلم الناس في حقوقهم المعنوية تلك بطريقِ الأَوْلى وبدرجة أَشد، ولكنّ كثيراً من الناس عن آيات الله غافلون.

لقد جعل الله لمعرفة الحق ميزانين١: أحدهما: محسوس، وهو الجِرْم الذي يُسَمَّى الميزان الذي يَتَوصَّل به التُّجار إلى معرفة الحقوق، وهو الذي يَفُضُّون به التنازع بينهم وبين المشتري منهم في الأشياء المكيلة والموزونة.

والميزان الثاني: هو ميزان الضمير الإنساني وهو الفطرة التي أمدّها الله تعالى بميزان الكتاب أو ميزان الوحي. فلا بدّ من هذا الميزان وهذا الميزان لإيفاء الحقوق ...

ومتى اختل أحد هذين الميزانين كان مانعاً من إيصال الحقوق لأصحابها.

لكن الميزان الأهم هو ميزان الضمير والفطرة والإيمان، وبدونه قد لا ينفع شيئاً ذلك الميزان المحسوس، ومجال هذا الميزان الذي هو الضمير الحيّ والفطرة السليمة المهتدية بالوحي الإلهي أوسع وأهم....


١ تنبّهتُ إلى هذه الفكرة من خلال الآية ٢٥ في سورة الحديد وأمثالها بالاطّلاع على كلامٍ بشأن الفكرة لابن الوزير، رحمه الله، في كتابه: " إيثار الحق على الخَلق"، ١٤.

<<  <   >  >>