للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للواعظ الجافي- فيكون في وعْظه مسيئاً لا محسناً.

ومن وَعَظَ ببشرٍ وتبسمٍ ولين وكأنه مشير برأي، ومخبر عن غير الموعوظ بما يستقبح١ من الموعوظ، فذلك أبلغ وأنجع في الموعظة، فإن لم يتقبل فلينتقل إلى الموعظة بالتحشيم وفي الخلاء، فإن لم يقبل ففي حضرة من يستحيي منه الموعوظ، فهذا أدبُ الله في أمْره بالقول واللين.

وكان صلى الله عليه وسلم لا يواجِهُ بالموعظة٢ لكن كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا، وقد أثنى -عليه الصلاة والسلام- على الرفق، وأَمَرَ بالتيسير، ونهى عن التنفير، وكان يتخوّل بالموعظة خوف الملل، وقال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} ٣.

وأما الغلظة والشدة، فإنما تجب في حدّ من حدود الله تعالى، فلا لين في ذلك للقادر على إقامة الحدّ خاصة.

ومما ينجع في الوعظ أيضاً الثناء بحضرة المسيء على من فَعَلَ خلاف فِعْله، فهذا داعية إلى عمل الخير، وما أعلم لحبّ المدح فضلاً إلا هذا وحده، وهو أن يَقْتدي به من يسمع الثناء، ولهذا يجب أن تؤرّخ الفضائل والرذائل، لينفر سامعها عن القبيح المأثور عن غيره، ويَرْغَبَ في الحسن


١ في المطبوع: "يستفتح" وهو خطأ.
٢ لو قال - رحمه الله: "كان لا يواجه بالموعظة دائماً" لكان هذا صواباً، أمّا أنه مطلقاً لا يواجِهُ بالموعظة فهذا غير صحيح، بل كان صلى الله عليه وسلم على ما تقضي به الحكمة من المواجهة بالنصيحة أو عدمها، وثبوت أنه كان يقول: "ما بال أقوام ... " ليس ثبوتاً لالتزامها دائماً، وليس نفياً لثبوت غيرها.
٣ ١٥٩: آل عمران: ٣.

<<  <   >  >>