للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأدب ينمي العقول

وللعقول سجيات وغرائز١، بها تقبل الأدب، وبالأدب تسمى العقول وتزكو.

فكما أن الحبة المدفونة في الأرض لا تقدر أن تخلع يبسها، وتظهر قوتها، وتطلع فوق الأرض بزعوتها وزيعها٢، ونضرتها ونمائها، إلا بمعونة الماء الذي يغور إليها في مستودعها، فيذهب عنها أذى اليبس والموت، ويحدث لها بإذن الله القوة والحياة، فكذلك سليقة٣ العقل مكنونة في مغرزها من القلب: لا قوة لها، ولا حياة بها، ولا منفعة عندها، حتى يعتملها٤ الأدب، الذي هو ثمارها، وحياتها، ولقاحها.

وجل الأدب بالمنطق، وجل المنطق بالتعلم، ليس منه حرف من حروف معجمه، ولا اسم من أنواع أسمائه، إلا وهو مروي، متعلم، مأخوذ عن إمام سابق، من كلام أو كتاب.

وذلك دليل على أن الناس لم يبتدعوا أصولها، ولم يأتهم علمها إلا من قبل العليم الحكيم.

فإذا خرج الناس من أن يكون لهم عمل أصيل، وأن يقولوا قولا


١ السجيات، الواحدة سجية: الطبيعة والخلق، الغرائز، الواحدة غريزة: الطبيعة.
٢ ريعها: نموها.
٣ السليقة: الطبيعة.
٤ يعتملها: يعملها.

<<  <   >  >>