للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تنبيه هام]

وعذاب القبر وسؤال الملكين ينالان كل من مات، ولو لم يدفن؛ فهو اسم لعذاب البرزخ ونعيمه، وهو ما بين الدنيا والآخرة، قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ١، وسمي عذاب القبر باعتبار الغالب؛ فالمصلوب والمحرق والمغرق وأكيل السباع والطيور له من عذاب البرزخ ونعيمه قسطه الذي تقتضيه أعماله، وإن تنوعت أسباب النعيم والعذاب وكيفياتهما.

فقد ظن بعض الأوائل أنه إذا حرق جسده بالنار وصار رمادًا وذري بعضه في البحر وبعضه في البر في يوم شديد الريح أنه ينجو من ذلك، فأوصى بنيه أن يفعلوا به ذلك، فأمر الله البحر فجمع ما فيه، وأمر البر فجمع ما فيه، ثم قال: قم. فإذا هو قائم بين يدي الله، فسأله: ما حملك على ما فعلت؟ فقال: خشيتك يارب، وأنت أعلم. فرحمه الله. فلم يفت عذابه البرزخ ونعيمه لهذه الأجزاء التي صارت في هذه الحال.

حتى لو علق الميت على رؤوس الأشجار في مهاب الرياح؛ لأصاب جسده من عذاب البرزخ حظه ونصيبه، ولو دفن الرجل الصالح في أتون من النار؛ لأصاب جسده من نعيم البرزخ وروحه نصيبه وحظه، فيجعل الله النار على هذا بردًا وسلاما، والهواء على ذلك نارًا وسموما؛ فعناصر العالم ومواده منقادة لربها وفاطرها وخالقها، يصرفها كيف يشاء، ولا يستعصي منها شيء أراده، بل هي طوع أمره، ومشيئته منقادة لقدرته؛ فغير ممتنع أن ترد الروح إلى


١ سورة المؤمنون، الآية: ١٠٠.

<<  <   >  >>