للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أتاني كلام الجاهل ابن كيغلغٍ ... يجوب حزوناً بيننا وسهولا

يقول: أتاني كلام هذا الجاهل، وتهدده لي من مكان بعيد، يقطع الجبال والمفاوز الذي بينه وبيني.

وقيل معناه: إن كلامه قد أتاني، وهو حينما تكلم كان يجوب حزون أرض الروم وسهولها. ويجوب: أي يقطع.

ولو لم يكن بين ابن صفراء حائلٌ ... وبيني سوى رمحي لكان طويلاً

صفراء: اسم أمه، ومعناه: يهددني ابن صفراء بوعيده! وأنا منه على بعد، فلو لقيته ولم يحل بيني وبينه إلا رمحي وحده، الذي أعتمد عليه وأدفعه به، لطال عليه الوصول إلي. فكيف وقد انضم إليه سائر أسباب القوة.

وقيل: معناه لو كان بيني وبينه من البعد مقدار رمحي لكان طويلاً عليه، فلا يمكنه أن ينالني. وقيل: إن صفراء كناية عن الأست والعرب تقول: ولد من أسته. فعلى هذا يكون رمياً له بالأبنة.

وإسحاق مأمونٌ على من أهانه ... ولكن تسلي بالبكاء قليلا

يقول: إن من أهانه وأساء إليه لم يخف غائلته؛ لأنه لا يقدر على شيء من النكير عند بلوغه إساءة من أساء إليه سوى التسلي بالبكاء.

وقد ذكره بالقبيح وكنى عنه بالبكاء وهذا غاية الحسن ومثله:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً ... أبشر بطول سلامةٍ يا مربع

ولولا الذي في وجهه من سماجةٍ ... لنمت عليه بكرةً وأصيلا

وليس جميلاً عرضه فيصونه ... وليس جميلاً أن يكون جميلا

ويكذب، ما أذللته بهجائه ... لقد كان من قبل الهجاء ذليلا

يقول: نفسه لا جمال لها فيصونه عن الهجاء، ولا يستحق أن يكون جميلا، ثم يقول: زعم هذا الجاهل أني أذللته بهجائي فقد كذب في دعواه؛ لأني لم أنقص شيئاً من قدره بالهجاء، فإنه ذليل خامل لا قدر له.

وورد الخبر إلى مصر بأن غلمان ابن كيغلغ قتلوه بجبلة من ساحل الشام، فقال أبو الطيب يشمت به ويهجوه:

قالوا لنا: مات إسحاق. فقلت لهم: ... هذا الدواء الذي يشفي من الحمق

يقول: بلغني موته، فقلت: قد أصاب دواء حمقه؛ فإن الأحمق ليس له دواء إلا الموت.

إن مات مات بلا فقدٍ ولا أسف ... أو عاش عاش بلا خلقٍ ولا خلق

يقول: إن حياته وموته سواء، فإن مات لا يحزن عليه أحد، ولم يشعر بموته لخموله، وإن عاش فلا نفع فيه، لأنه دميم الخلق سيىء الخلق، فليس له رواءٌ يملأ العيون، ولا خلقٌ يعطف عليه القلوب.

منه تعلم عبدٌ شق هامته ... خون الصديق ودس الغدر في الملق

قوله: دس الغدر في الملق أي يستر غدره في كلامه باللطف؛ ليتوصل به إلى الإيقاع بالغير.

يقول: إن عبده الذي قتله، منه تعلم الخيانة والغدر بالصديق، فحين رآه يخون أصدقاءه ويغدر بهم، اقتدى، به فقتله غدراً.

وحلف ألف يمينٍ غير صادقةٍ ... مطرودةٍ ككعوب الرمح في نسق

حلف: نصب عطفاً على قوله: دس الغدر وهو منصوب بتعلم ومطردة: أي متتابعة.

يقول: تعلم منه ألف يمين متتابعة، مثل كعوب الرمح على طريقة واحدة، فكان ذلك باعثاً له على قتله، فقتله ودفع عن نفسه قتله بالأيمان الكاذبة كما كان هو يفعل.

ما زلت أعرفه قرداً بلا ذنبٍ ... صفراً من البأس مملوءًا من النزق

النزق: الخفة والطيش.

يقول: في كونه قرداً ناقصاً؛ ليكون أعجب، وإنه مملوء من الخفة، وصفراً من الحلم والعقل والأدب.

كريشةٍ بمهب اليح ساقطةٍ ... ما تستقر على حالٍ من القلق

شبهه في خفته وقلقه بريشة ساقطة تهب عليها الريح.

تستغرق الكف فوديه ومنكبه ... وتكتسى منه ريح الجورب العرق

الفودان: جانبا الرأس.

يقول: إنه يكثر الصفع على جوانب رأسه ومنكبه، ويد من يصفعه تكتسب منه ريحاً منتناً مثل ريحة الجورب العرق! وفيه أنواع من الهجاء منها: قبح الخلقة، وصغر الجثة، وخبث الريح، ونتن الجسد، ومهانة النفس؛ حتى يصفعه كل أحد.

فسائلوا قاتليه: كيف مات لهم ... موتاً من الضرب أم موتاً من الفرق؟

وأين موقع حد السيف من شبحٍ ... بغير رأسٍ ولا جسمٍ ولا عنق؟!

موتاً نصب على المصدر.

<<  <   >  >>