للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذكر صاحب الجليل؟ في تلخيص هذا المعنى. ما هو في العموم مثل كلام أبي الطيب فقال معناه: يا خليلي وفاؤكما بأن تسعداني، كهذا الربع كلما أبصرته أشجاني، وفي قوله: والدمع أشفاه ساجمه إشارة إلى أن صاحبيه غدرا معه في البكاء. فقال: إنما يشفي الدمع من الصبابة إذا كان ساجما، وكلما كان أجرى كان الشوق أشفى، والباء في قوله: بأن تسعدا متعلقة بمحذوف ولا يجوز تعلقها بقوله: وفاؤكما لأنك حينئذ فرقت بين الموصول والصلة، لأنك إذا قدرت البيت على قوله: وفاؤكما بأن تسعدا كالربع أشجاه طاسمه كانت الباء وما بعدها صلة وفاؤكما، وقد فرق بينهما بقوله: كالربع فيجب أن يضمر بعد المصدر. وهو قوله: وفاؤكما ما يتعلق به ويجعل بأن تسعدا تفسيراً له. وتقديره: وفاؤكما بأن تسعدا، ثم يحذف هذا، ويجعل الثاني تفسيراً له ومثل هذا كثير في صناعة الإعراب.

وما أنا إلاّ عاشقٌ كلّ عاشقٍ ... أعقّ خليليه الصّفيّين لائمه

الصفيين: الذي يصفى لك المودة من الغش، فيكون بمعنى المصفى. فقيل بمعنى مفعل.

يقول: أنا عاشق. فقال: كل عاشق أعق خليليه الصفيين: من يلومه، فمن لا منى منكما كأنه قد عقني، وروى: وما أنا إلا عاشق كل بنصب اللام. ومعناه: أنا عاشق كل عاشق، بعد لوم خليليه له عقوقا منهما إليه وهذا أبلغ من الأول، ومثل هذا:؟ وإني لأعشق من عشقكم نحولي وكلّ امرئٍ ناحل وقد سئل أبو الطيب عن هذا فقال: إن الخليل الصفي لا يكون عاقا، وأفعل لا يضاف إلا إلى ما هو بعضه.

وقيل: معناه: إذا لام لم يكن خليلا مصافياً عند العاشق؛ لأنه قصد إساءته فكأنه قال وكل عاشق إذا لامه خليله، كان أعق له من عدوه.

وقد يتزيّا بالهوى غير أهله ... ويستصحب الإنسان من لا يلائمه

يتزيا: يتكلف يتفعل من الزي، وهو الهيئة، أي يجعل الهوى زيا له.

يقول: ربما يظهر الإنسان من نفسه أنه عاشق، وليس هو بعاشق حقيقة، كما أن الإنسان قد يصحب من لا يوافقه.

يعني: أنا عاشق على الحقيقة ولست في دعواي متكلفاً.

بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها ... وقوف شحيحٍ ضاع في التّرب خاتمه

يدعو على نفسه بالهلاك إن لم يطل الوقوف على أطلال دار المحبوبة.

وقد عيب عليه هذا البيت. وقيل: هذا يدل على تحمله مع دناءة همته، وعظم خطر الخاتم في عينه.

وإلى كم يكون وقوف الشحيح على خاتمه ولو كان ألأم الناس، حتى يجعل ذلك غاية الوقوف على أطلال دار الحبيب؟.

وأحسن ما يمكن أن يقال إنما أراد: أنا أقف بها وقوفاً زائداً على عادة من وقف قبلي على أطلال حبيبة، كما أن وقوف الشحيح إذا ضاع خاتمه يكون زائداً على وقوف غيره، وطلبه له أشد.

قيل: إنما خص الخاتم لأنه ربما كان فضة كثيرة القيمة حليل الخطر وهذه صفته. فالوقوف على طلبه يدوم، والبحث عنه يطول من كل واحد، وهو من الشحيح أكثر، ومنه أطول.

كئيباً توقّاني العواذل في الهوى ... كما يتوقّى ريّ؟ ض الخيل حازمه

نصب كئيباً على الحال. والكئيب: هو الحزين. والريض: الصعب الذي لم يرض. والحازم: الذي يشد الحزام. والهاء فيه تعود إلى الريض.

يقول: إن لم أقف وأنا كئيب والعواذل يريدون عذلي ويحذرون مني كما يحذر الرجل من الفرس الصعب، إذا أراد شد الحزام عليه، فهو يداريه حذراً أن يرمحه، فكذلك العواذل يحذرون صولته.

قفي تغرم الأولى من اللّحظ مهجتي ... بثانيةٍ والمتلف الشّيء غارمه

الأولى في موضع الرفع لأنها فاعلة تغرم.

يقول: إنك لحظتني لحظة فأتلفت بها نفسي، فاغرميها بلحظة ثانية؛ تحييني بها، كما أتلفت مهجتي بلحظتك الأولى؛ فإن من أتلف شيئاً غرمه.

سقاك وحيّانا بك الله إنّما ... على العيس نورٌ والخدور كمائمه

الهاء: للنور، والنور: الأبيض من الزهر. والكمائم: جمع كمامة وهو وعاء الزهر قبل أن يتفتح.

شبه النساء بالنور، والهوادج بالكمائم، ولما جعلها نوراً دعا لها بالسقيا، وجعله تحية لها، كما يحيي الصديق صديقه بالورد والريحان.

ومعناه: رزقنا الله وصلك والتلذذ بطيبك. ومثل آخر هذا البيت قول الآخر وهو:

ولم أر كالأظعان يوم رحيلهم ... وأحداجهم تحكي الكمائم في الورد

وقريب من بيت أبي الطيب قول السري بن أحمد الرفاء.

حيّا به الله عاشقيه فقد ... أصبح ريحانةً لمن عشقا

<<  <   >  >>