للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمعنى: أن هواك ظاهر علاماته، سواء صبرت أو جزعت، وكذلك بكاؤك ظاهر، سواء جرى دمعك أو لم يجر.

وحكى أنه قيل للمتنبي: إنك خالفت بين المصراعين، فوضعت في الأول إيجاباً بعده نفي، وفي الثاني نفياً بعده إيجاب، وصنعة الشعر تقتضي الموافقة بين صدر البيت وعجزه. فقال: إن كنت خالفت بينهما لفظاً فقد وافقت بينهما معنىً، وذلك أن من صبر لم يجر دمعه، ومن لم يصبر جرى دمعه، ومراعاة المعنى أولى من مراعاة اللفظ.

وبكاك عطف على هواك ويجوز أن يكون عطفاً على الضمير في صبرت كأنه قال: صبرت وصبر بكاؤك فلم يجر دمعك أو لم تصبر فجرى دمعك.

كم غرّ صبرك وابتسامك صاحباً ... لمّا رآه وفي الحشى ما لا يرى

الوجه: لما رآهما. ولكنه أقام ضمير الواحد مقام الاثنين. وقيل: أراد، كم غر صبرك صاحباً لما رآه، وابتسامك لما رآه، فحذف أحد الضميرين لدلالة الآخر، كما قال بعضهم:

نحن بما عندنا وأنت بما ... عندك راضٍ والرّأي مختلف

أي نحن بما عندنا راضون، وأنت بما عندك راض. ثم اكتفى بأحد الخبرين عن الآخر.

وقيل: إنه أضمر التجلد. والضمير في رآه إليه راجع؛ وذلك أن الصبر والابتسام واحد وهو التجلد.

والمعنى: أن كثيراً من أصحابك لما رأوا صبرك وضحكك غرهم ذلك منك، ولم يعلموا ما في قلبك من نار الهوى وألم العشق.

أمر الفؤاد لسانه وجفونه ... فكتمنه وكفى بجسمك مخبرا

الهاء في لسانه وجفونه: للفؤاد، وقيل: للعاشق؛ لأن في الكلام دلالة عليه، وفي كتمنه إلى ما لا يرى.

يقول: لسانك يكتم أمر الهوى فلا ينطق به، وجفونك تكتمه بترك البكاء، فكأن قلبك أمرهما بكتم الهوى، وهما إخوانه وأتباعه، ولكن نحول جسمك يخبر عما في قلبك، فكفى به مخبراً.

تعس المهارى غير مهريٍّ غدا ... بمصّورٍ لبس الحرير مصوّرا

المهارى: جمع مهري، وهي إبل تنسب إلى مهرة بن حيدان أبو حي من العرب جيد الإبل. وتعس: أي شقي جده، وقوله: بمصور أي بإنسان مصور صورة حسنة، لبس حريراً مصوراً بالصور والنقوش.

دعاء على الإبل؛ لأنها سبب الفراق، إلا هذا البعير الذي فوقه هذه المرأة التي هي كالصورة في حسنها، وعليها ثياب حرير عليها تصاوير. ومصوراً: نصب على الحال.

نافست فيه صورةً في ستره ... لو كنتها لخفيت حتّى يظهرا

الهاء في فيه للمصور وهو المحبوب، وقيل: هو الحرير. والهاء في ستره يرجع إلى المصور.

يقول: كان دون هذه المحبوبة ستر عليه صورة، نافست هذه الصورة وحسدتها على قربها من المحبوب، ولو كنت هذه الصورة لخفيت وغبت حتى يظهر المحبوب للرائيين، بخلاف هذا الستر الذي لا يغيب.

والفائدة في ظهوره إنما هو تنزه الأبصار برؤيته وتكون الفائدة فيه.

وصف نفسه بالنحول وأنه بصفة لا تستره عن الناظرين، أو يريد إقامة عذره للناس في حبه إياه.

لا تترب الأيدي المقيمة فوقه ... كسرى مقام الحاجبين وقيصرا

لا تترب: أي لا تفتقر المقيمة الفاعلة من الإقامة التي هي المتعدي من القيامة. وكسرى وقيصر نصب به، والهاء في فوقه للستر.

يقول: لا تترب يد من نقش على هذا الستر صورة كسرى وقيصر؛ حيث أقامهما على باب الستر كالحاجبين.

يقيان في أحد الهوادج مقلةً ... رحلت وكان لها فؤادي محجرا

المحجر: ما يبدو من النقاب من حوالي العين، جعل المحبوبة عين قلبه فقال: إن كسرى وقيصر يحفظان في واحد من الهوادج يعني هودج حبيبته مقلةً، فلما ارتحلت المقلة زال عن قلبي ضياؤه وعمي قلبي، فصار محجراً لا مقلة له.

قد كنت أحذر بينهم من قبله ... لو كان ينفع حائناً أن يحذرا

لهاء في قبله للبين، وقيل: أراد من قبل وقوعه، فحذف المضاف والحائن: الذي دنا حينه وهلاكه.

يقول: لو نفع الحذر الحائن لنفعني؛ لأني كنت أحذر فراقهم قبل وقوعه، فلم ينفعني الحذر، لما وقع بي ما حذرته.

ولو استطعت إذا غدت روّادهم ... لمنعت كلّ سحابةٍ أن تقطرا

الرواد: جمع رائد.

يقول: لو قدرت - حين تخرج روادهم لطلب الماء والكلأ - لمنعت السحاب من المطر، لكن لا قدرة لي على ذلك.

فإذا السّحاب أخو غراب فراقهم ... جعل الصّياح ببينهم أن يمطرا

<<  <   >  >>