للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول: ليت هذه المحبوبة لم تزل حالةً في ناظري، وليت ناظري لم يزل محلا لها، وهذا التمني يرجع إلى معنى القرب؛ لأنها لا تحل في ناظره إلا عند القرب، فكأنه يقول: ليتها لم تفارقني ولم تزل قريبة مني، تنظر فمها في سواد عيني.

وروى: لا تزال آويه الهاء للناظر، وذكر الآوى وإن كان من حقه آويته ذهاباً إلى المعنى، كأنه قال: ليتها لم تزل إنساناً أو شخصاً آويه.

كلّ جريحٍ ترجى سلامته ... إلاّ فؤاداً دهته عيناها

دهته: أي أصابته بداهيةٍ.

يقول: كل مجروح ترجى سلامته واندماله من جرحه، إلا قلباً جرحته عينا هذه المرأة، فإن برأه لا يرجى أبداً.

تبلّ خدّيّ كلّما ابتسمت ... من مطرٍ برقه ثناياها

يقول: كلما ضحكت من شكواي إليها بكيت استعظاماً لها، فكأن ضحكها سبب جريان دمعي على خدي، ولما جعل دمعه مطراً، جعل لمع ثناياها برق ذلك المطر.

وقيل: أراد إذا ابتسمت فظهرت ثناياها، بكيت شوقاً إلى تقبيلها، فبلت دموعي خدي من مطر صفته ما ذكرنا.

وقيل: أراد إذا ابتسمت أبكتني بحسن مبسمها، تنغيصي بمفارقتها، إذ ذلك مما ينغص الوصل.

وقيل: أراد ابتسامها في حال الهجر الحاصل.

وقيل: أراد حقيقة ذلك، وهو ما يرشف من فيها، فريقها يبل خديه، وهو مطر برقه ثناياها.

وقيل: إنه أراد أنها كانت تقبله، فكلما قبلته بلت بريقها خده، وكثر حتى صار كالمطر.

وقيل: أراد أنها كانت تضحك من محبته فتبرق في وجهه.

ما نفضت في يدي غدائرها ... جعلته في المدام أفواها

ما بمعنى الذي. وهو مفعول نفضت وفاعله غدائرها.

يقول: جعلت ما نفضت غدائرها من بقايا طيبها في يدي أخلاطا من الطيب في الخمرة، وطيبت الخمرة به.

في بلدٍ تضرب الحجال به ... على حسانٍ ولسن أشباها

يقول: خلوت بها في بلد، أو هذه في بلد تستتر فيه النساء الحسان بالحجال، غير أن أولئك الحسان لسن يشبهنها في الحسن؛ لأنها تفوقهن في حسنها.

وقيل: أراد وصفهن بالحسن، وأن كل واحدة منهن متفردة بحسن لا يشاركها فيه غيرها.

وقيل: أراد أنهن لا يشبهن غيرهن من النساء في الحسن، بل هن أحسن من غيرهن من الحسان.

لقيننا والحمول سائرةٌ ... وهنّ درٌّ فذبن أمواها

الحمول بالفتح: الإبل التي عليها الهوادج.

يقول: هن في صفاء بشراتهن كالدر، فلما لقيننا يوم سارت الإبل، بكين جزعاً من الفراق، فذبن وجرين دموعاً، هي كبشراتهن في الصفاء، ونصب أمواها على التمييز وهي جمع ماء في القلة.

كلّ مهاةٍ كأنّ مقلتها ... تقول: إيّاكم وإيّاها

المهاة: البقرة الوحشية. والمهاة البلورة.

يقول: كل واحدة منهن كأنها مهاة في حسنها وفي عيونها، فكأن مقلتها تحذر الناس فتقول: احذروا صيدها إياكم.

فيهن منّ تقطر السّيوف دماً ... إذا لسان المحبّ سمّاها

يقول: في هؤلاء النساء امرأة تسفك سيوف قومها دم من يحبها، عند تسميته إياها لعزتهم وحميتهم، وأراد بها محبوبته.

وقيل: معناه أن في هؤلاء النساء امرأة تقتلك بجفونها التي هي السيوف، وتريق دمك بعيونها، متى ذكرت أنك تحبها.

أحبّ حمصاً إلى خناصرةٍ ... وكلّ نفسٍ تحبّ منشاها

يقول: أحب ما بين هذين الموضعين اللذين هما: حمص وخناصرة؛ لأن منشاي كان فيهما، وكل إنسان يحب وطنه الذي نشأ به.

حيث التقى خدّها وتفّاح لب ... نان وثغري على حميّاها

الحميا: الخمرة، وهي أيضاً سورتها. والهاء في خدها للمحبوبة وفي حمياها للناحية التي بين حمص وخناصرة.

يقول: إني أحب هذا المكان لأني جمعت فيه بين خد المحبوبة أقبلها، وبين تفاح لبنان أتنقل به وبين شرب الخمر أتلذذ بها، والكل متقارب طيباً وطعماً. ولبنان: جبل بالشم، يقال له: جبل لبنان.

وصفت فيها مصيف باديةٍ ... شتوت بالصّحصحان مشتاها

الصحصحان هنا: موضع بقرب دمشق. وهو في اللغة: المكان المتسع. والهاء في فيها للمواضع التي بين حمص وخناصرة، وفي مشتاها للبادية.

يقول: صفت في هذه المواضع مصيف بادية: أي على رسم العرب بالخروج إلى البادية وأقمت الشتاء بالصحصحان: التي هي مشتى أهل البادية.

إن أعشبت روضةٌ رعيناها ... أو ذكرت حلّةٌ غزوناها

الحلة: جماعة بيوت العرب، ينزلون في مكان واحد.

<<  <   >  >>