للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويجوز أن يريد بالنشر: نشر مكارمه بالشعر.

يقول: الذي أنشره من إحسانك وفضلك، إنما هو فعلك، فهو بمنزلة ريح المسك يفوح، ولكن عرضك كان المسك، وكان شعري الذي يتضمن ثناءك بمنزلة الفهر، والمداك يسيره وينشره، وليس يزيد فيه شيئاً، كما أن الفهر والمداك يشيعان نشر المسك ويظهران جوهره، ولا يزيدان فيه شيئاً، كذلك شعري يشيع معاليك من غير أن يزيد فيها شيئاً.

فلا تحمدهما واحمد هماماً ... إذا لم يسم حامده عناكا

أي: لا تحمد فهري ومداكي على ما يظهران من طيب عرضك. أي: لا تحمدني على شعري وحمدي لك، ولكن احمد هماماً. أي: نفسك التي أسدت الثناء وقوله: إذا لم يسم حامده عناكا أي: إذا قلت مدحاً ولم أسم فيه أحداً، فإنما عنيتك به وهذا مثل قول أبي نواس:

إذا نحن أثنينا عليك بصالح ... فأنت كما نثني وفوق الّذي نثني

وإن جرت الألفاظ يوماً بمدحه ... لغيرك إنساناً فأنت الّذي نعني

أغرّ له شمائل من أبيه ... غداً يلقي بنوك بها أباكا

أغر: صفة للهمام، والشمائل: الأخلاق. والهاء في بها للشمائل.

يقول: أحمد هماماً أغر، فيه شمائل من أبيه: أي مشابهة وأخلاق. وقوله: غداً يلقي بنوك بها أباكا أي بتلك الشمائل. يعني: أنهم إذا كبروا أشبهوا شمائل أبيك كما أشبهته أنت. أي كلكم يشبه فعله فعل أبيه، وينزع إلى كرم أصله.

وفي الأحباب مختصٌّ بوجدٍ ... وآخر يدّعي معه اشتراكا

يعني: في الناس من هو محب على الحقيقة، مختص بالوجد على فراق أحبته، وفيهم من يدعي الاشتراك معه في الوجد وهو كاذب في دعواه.

وقيل: أراد بالمختص نفسه لأجل فراقه، ومن تداني مختص بود ذلك الوجد، وذلك الوجد لفراقك، وليس عند غيري شعري، إلا مجرد الدعوى.

وقيل: أراد بالمختص بالوجد نفسه لأجل فراقه، ومن يدعي الاشتراك: زوجته، تدعى مشاركة والدته في الحزن لأجله.

إذا اشتبهت دموعٌ في خدودٍ ... تبيّن من بكى ممّن تباكا

يعني: أن الذي يبكي بوجد وحرقة قلب، يظهر ممن يتكلف البكاء رياءً، وإن اشتبهت دموعهما في جريانها على الخدود.

أذمّت مكرمات أبي شجاعٍ ... لعيني من نواي على أولاكا

أي: مكرمات أبي شجاع قد دخلت عيني في ذمتها ومنعتها من أن تكون من أولئك. أي: ممن يخادع ويظهر من الود خلاف ما يبطن.

يعني: مكارمك وإحسانك منعتني من دعوى المحبة بحضرتك وإظهار خلافها في غيبتك، فإن الإنسان مطبوع على حب من أحسن إليه، فإذا أبعدت أضمرت من مودتك مثل ما أظهر الآن بحضرتك.

فزل يا بعد عن أيدي ركابٍ ... لها وقع الأسنّة في حشاكا

يخاطب البعد يقول: يا بعد زل عن أيدي إبلي، فإنها تنفذ فيك وتفعل في حشاك فعل الأسنة. يشير إلى سرعة سيره وعوده.

وقيل: أراد بذلك أنها تطوي البعد وتنفذه، فكأنها أثرت فيه هذا التأثير.

وأيّا شئت يا طرقي فكوني ... أذاةً أو نجاةً أو هلاكا

يعني: إذا سرت وعضد الدولة راض عني، فلا أبالي أي شيء كان في طريقي: هلاكاً أو نجاة، فإن سعادة جده تدفع ما أحذره.

فلو سرنا وفي تشرين خمسٌ ... رأوني قبل أن يروا السّماكا

السماك: كوكب يطلع على أهل الكوفة لخمس خلون من تشرين الأول.

يقول: لو سرت إلى أهلي من شيراز في اليوم الذي يطلع في عشيته عليهم السماك، لوصلت إليهم قبل طلوع السماك. أي: كانت سعادته وإقباله يطويان لي البعد ويسهلان علي الطريق.

وقيل: لم يكن بين قول هذا وبين تشرين الأول دون عشرة أيام، وكان بشيراز، وبين شيراز وبغداد مئتا فرسخ.

يشرّد يمن فنّاخسر عنّي ... قنا الأعداء والطّعن الدّراكا

يشرد: يطرد ويبعد. والطعن الدراك: المتتابع.

يقول: إن يمن عضد الدولة إذا سرت وهو عني راض يبعد كل مكروه وينفي كل محذور. غير أنه لم ينفعه يمن فناخسر.

وألبس من رضاه في طريقي ... سلاحاً يذعر الأبطال شاكا

يقال: رجل شاكي السلاح، وأصله شائك، فحذف عين الفعل منه فصار شاكا. وقيل: شاكي السلاح وهذا مقلوب من شائك، وشاكا صفة للسلاح.

يقول: إذا سرت وهو عني راض قام رضاه لي مقام السلاح التام في دفع الأعداء وتخويف الأبطال. وهذا مثل قوله:

ومن يصحب اسم ابن العميد محمّدٍ ... يسر بين أنياب الأساود والأسد

<<  <   >  >>