للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قضاءٌ من الله العليّ أراده ... ألا ربّما كانت إرادته شرّا

ولله آياتٌ وليست كهذه ... أظنّك يا كافور آيته الكبرى

لعمري ما دهرٌ به أنت طيّبٌ ... أيحسبني ذا الدّهر أحسبه دهرا

وأكفر يا كافور حين تلوح لي ... ففارقت مذ فارقتك الشّرك والكفرا

عثرت بسيري نحو مصر فلالعاً ... بها ولعاً بالسّير عنها ولا عثرا

وفارقت خير النّاس قاصد شرّهم ... وأكرمهم ظرّاً لأنذلهم طرّا

فعاقبني المخصيّ بالغدر جازياً ... لأنّ رحيلي كان عن حلبٍ غدرا

وما كنت إلا فائل الرّأي لم أعن ... بحزم ولا استصحبت في وجهتي حجرا

وقد أرى الخنزير أنّي مدحته ... ولو علموا قد كان يهجي بما يطرا

جسرت على دهياء مصر ففتّها ... ولم يكن الدّهياء إلا من استجرا

سأجلبها أشباه ما حملته من ... أسنّتها جرداً مقسطلةً غبرا

وأطلع بيضاً كالشّموس مطلّةً ... إذا طلعت بيضاً وإن غربت حمرا

فإن بلغت نفسي المنا فبعزمها ... وإلا فقد أبلغت في حرصها عذرا

وقال وقد كثرت الأمطار بآمد:

أآمد هل ألمّ بك النّهار ... قديماً أو أثير بك الغبار

إذا ما الأرض كانت فيك ماءً ... فأين بها لغرقاك القرار

تغضّبت الشّموس بها علينا ... وماجت فوق أرؤسنا البحار

حنين البخت ودّعها حجيجٌ ... كأن خيامنا لهم جمار

فلا حيّا الإله ديار بكرٍ ... ولا روّت مزارعها القطار

بلادٌ لا سمينٌ من رعاها ... ولا حسنٌ بأهليها اليسار

إذا لبس الدّروع ليوم بؤس ... فأحسن ما لبست بها الفرار

قال ابن عساكر: وقرأت في بعض الكتب أنه لما خرج المتنبي بأرض سلمية من عمل حمص في بني عدي الكلبيين، قبض عليها بن علي الهاشمي في ضيعة له يقال لها كوتكين وأمر النجار فجعل في رجله قرمة، وفي عنقه، من خشب الصفصاف.

زعم المقيم بكوتكين بأنّه ... من آل هاشم بن عبد مناف

فأجبته: مذ صرت من أبنائهم ... صارت قيودهم من الصّفصاف

ولما أن صار معتقلاً في الحبس كتب إلى الوالي:

بيديّ أيّها الأمير الأريب ... لا لشيءٍ إلاّ لأنّي غريب

أو لأمٍّ لها إذا ذكرتني ... دم قلبٍ بدمع عين سكوب

إن أكن قبل أن رأيتك أخطأ ... ت فإنّي على يديك أتوب

عائبٌ عابني لديك ومنه ... خلقت في ذوي العيوب العيوب

وحكى الصفدي في شرح لامية العجم أن ابن المستكفي اجتمع بالمتنبي في مصر وروى عنه قوله يتغزل:

لا عبت بالخاتم إنسانةً ... كمثل بدر في الدّجى النّاجم

وكلّما حاولت أخذي له ... من البنان المترف النّاعم

ألقته في فيها فقلت انظروا ... قد أخفت الخاتم في الخاتم

وقال أبو بكر الشيباني: حضرت عند أبي الطيب وقد أنشده بعض الحاضرين:

فلو أنّ ذا شوقٍ يطير صبابةً ... إلى حيث يهواه لكنت أنا ذاكا

وسأله إجازته فقال:

من الشّوق والوجد المبّرح أنّني ... يمثّل لي من بعد لقياك لقياكا

سأسلو لذيذ العيش بعدك دائماً ... وأنسى حياة النّفس من قبل أنساكا

وله في عبد العزيز الخزاعي قبل رحيله من مصر:

لئن مرّ بالفسطاط عيشي فقد حلا ... بعبد العزيز الماجد الطّرفين

فتىً زان قيساً بل معدّاً فعاله ... وما كلّ سادات الشّعوب بزين

تناول ودّي من بعيدٍ فناله ... جرى سابقا في المجد ليس برين

وقال بهجو الضبي الشاعر:

أيّ شعري نظرت فيه لضبٍّ ... أوحدٍ ماله على الدّهر عون

كلّ بيتٍ يجيء يبرز فيه ... لك من جوهر الفصاحة لون

يالك الويل ليس يعجز موسى ... رجلٌ حشو جلده فرعون

أنا في عينك الظّلام كما أنّ ... بياض النّهار عندك جون

وله في بستان المنية بمصر قبل رحيله وقد وقعت حيطانه من السيل:

ذي الأرض عمّا أتاها الأمس غانيةً ... وغيرها كان محتاجاً إلى المطر

شقّ النّبات عن البستان ريّقه ... محيّياً جاره الميدان بالشّبحر

كأنّما مطرت فيه صوالجةٌ ... تطرّح السّدر فيه موضع الأكر

وله في معاذ الصيداني:

معاذٌ ملاذٌ لزوّاده ... ولا جار أكرم من جاره

<<  <   >  >>