للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لم يقل أحد في تفسير هذا البيت ما يعتمج أو يساوي الحكاية لأن جميع ما قيل في هذا البيت من المعنى لا يوافقه اللفظ والذي عندي فيه أنه يشكو الدنيا يقول ما لي ولها اطلب معاليها وأنا مرتبك في نوائبها وخطوبها يعني أن الدنيا عكست عليه الأمر هو يطلب المعالي بنجوم الدنيا عما فيها من الشرف والذكر وبشدوق الأراقم عن الخطوب المهلكة والنوائب المفظعة وهذا ظاهر صحيح بحمد الله تعالى.

من الحلم أن تستعمل الجهل دونهُ ... إذا اتسعت في الحلم طرق المظالمِ

أي إذا كان حلمك داعيا إلى ظلمك فإن من الحلم أن تجهل والمظالم جمع المظلمة وهي الظلم.

وأن ترد الماء الذي شطره دمٌ ... فتسقي إذا لم يسق من لم يزاحمِ

أي الماء الذي كثر القتل عليه حتى امتزج بدم المقتولين عليه والمعنى أن تزاحم على الأمر المتنافس فيه

ومن عرف الأيام معرفتي بها ... وبالناس روى رمحه غير راحمِ

فليس بمرحومٍ إذا ظفروا به ... ولا في الردى الجاري عليهم بآثمِ

إذا صلتُ لم أترك مصالا لفاتكٍ ... وإن قلت لم أترك مقالا لعالمِ

يريد أنه في غاية الشجاعة والعمل وإذا صال كفى غيره الصول وإن قال كفى غيره القول.

وإلا فخانتني القوافي وعاقني ... عن ابن عبيد الله ضعف العزائمِ

أي أن كنت كاذبا فيما قلت فلا وفت لي القوافي حتى أعجز عن نظمها وضعفت عزيمتي في قصد الممدوح حتى يعوقني عنه ضعف عزمي يعني أنه إذا قعد عنه ولم يأته لم يصل إلى المطلوب.

عن المقتني بذل التلاد تلاده ... ومجتنب البخل اجتناب المحارمِ

أي عن الذي يدخر البذل مالا فيقوم بذل ماله مقام ما يقتنيه يعني أنه يلازم البذل ملازمة المال المقتنى.

تمنى أعاديه محل عفاته ... وتحسد كفيه ثقال الغمائمِ

يعني أن عفاته يغيرون على أمواله وهذا اقصى ما يتمناه اعاديه ويجوز أن يريد أن عفاته في أمان من نوائب الزمان وتمنى العداة هذا والغمام الثقيل بالماء يحسد كفه لأنها اندى منه.

ولا يتلقى الحرب إلا بمهجةٍ ... معظمةٍ مذخورةٍ للعظائمِ

أي لا يستقبل الحرب إلا بمجة مرفوعة عن الدنايا لا تسف لأمرٍ دني وهي مدخرةٌ لكفاية الأمور العظيمة التي لا تكفي إلا بمثله ومهجته نفسه لأن نفسه لا تقوم دونها.

وذي لجبٍ لا ذو الجناح أمامه ... بناجٍ ولا الوحش المثار بسالمِ

يعني وبجيش ذي لجب قال ابن جنى يقول الجيش يصيد الوحش والعقبان فوقه تسايره فتخطف الطير أمامه قال ابن فورجة صيد الطير بالنبل والسهام مستمرٌّ معتادٌ فلم ينسبه إلى العقبان ولا مدح في ذلك من فعلها فإنها تصيد الطير وإن لم تصحب جيش الممدوح قال والمعنى عندي أن هذا الجيش جيش الملوك تصحبه الفهود والبزاة والكلاب فلا الطائر يسلم منه ولا الوحش قال ونكت بقوله المثار فإن الجيش الكثير يثير ما كمن من الوحوش لأجل ذلك قال مالك بن الريث، بجيشٍ لهامٍ يشغل الأرض جمعه، على الطير حتى ما يجدن منازلا،

تمر عليه الشمس وهي ضعيفةٌ ... تطالعه من بين ريش القشاعمِ

ضعيفة بالعقبان أو بالغبار أو بضوء الأسلحة ولا يقع ضوءها عليه إلا من خلال رئيس النسور وهو قوله

إذا ضوءها لاقى من الطير فرجةً ... تدور فوق البيضِ مثل الدراهمِ

شبه ما يتساقط من الضوء في فرج أجنحة الطير بالدراهم وشبهه في موضعٍ آخر بالدنانير وهو قوله، وألقى الشرق منها في ثيابي، دنانيرا تفر من البنانِ،

ويخفى عليك الرعد والبرق فوقه ... من اللمع في حافاتهِ والهماهمِ

أي لكثرة ما في ذلك الجيش من بريق الأسلحة ولمعانها يخفى عليك البرق فلا تعرفه فكذلك الرعد لكثرة ما فيه من الأصوات.

أرى دون ما بين الفرات وبرقةٍ ... ضربا يمشي الخيل فوق الجماجمِ

يقول أرى في هذا الموضع مضاربةً بالسيف يكثر فيها قطع الرؤوس حتى تطأها الخيل فتمشي فوق الجماجم

وطعن غطاريفٍ كأن أكفهم ... عرفن الردينيات قبل المعاصمِ

الغطريف السيد الكريم يقول أنهم لحذقهم بالطعان كأنهم عرفوا الرماح قبل ما تشد على سواعدهم في طفولتهم.

حمته على الأعداء من كل جانبٍ ... سيوف بني طغج بن جفِّ القماقمِ

<<  <   >  >>