للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا البيت تعليل لقوله ومنصرفي له أمضى السلاح لاني كلما لم أرك طال ليلى فيعد ما بين جفني والصباح لسهري شوقا إلى لقائك ولو قال بين عيني والصباح كان اظهر لأن الصبح إنما يرى بالعين لا بالجفن واخرج بين عن الظرفية ورفعه بفعله وهو معنى بعيد ومثله قول الآخر، كان رماحهم أشطان بئرٍ، بعيدٌ بين جانبها جرورِ.

وسايره وهو لا يدري أين يريد به فلما دخل كفرديس قال

وزيارةٍ عن غير موعد ... كالغمض في الجفن المسهد

أي اتفقت لنا زيارة هذه القرية بغتةً فكانت لطيبها كالنوم في الجفن الساهد

[معجت بنا فيها الجيا ... د مع الأمير أبي محمد]

المعج ضرب من السير لين سهل يقال معجت الإبل والريح إذا هبت هبوبا لينا ومنه قول الشاعر، يصل الشد بشدٍ فإذا، ونت الخيل من الشد معج،

حتى دخلنا جنةً ... لو أن ساكنها مخلد

[خضراء حمراء الترا ... ب كأنها في خد أغيد]

شبه خضرة نباتها على حمرة ترابها بخضرة الشارب على الخد والمورد والغيد لا ينبيءُ عن الحمرة لكنه أراد أغيد مورد الخد حين شبه الخضرة على الحمرة بما في خده كما قال، كأن أيديهن بالموماة، أيدي جوار بتن ناعمات، يريد أن أيدي الإبل قد انخضبت من الدم كما أن أيدي الجواري الناعمات حمر بالخضاب وليست النعمة من الخضاب في شيء.

[أحببت تشبيها لها ... فوجدته ما ليس يوجد]

أي أردت أن أشبهها بشيء فوجدت تشبيها معدوما ويجوز أن يريد بالتشبيه المفعول وهو المشبه به يقول اردت مشبها لها فكان مستحيل الوجود فإن قيل هذا يناقض ما قبله لأنه ذكر التشبيه قلنا ذلك تشبيه جزءي لأنه ذكر خضرة النبات على حمرة التراب في التشبيه وأراد في هذا البيت تشبيه الجملة فلم يتعارضا

[وإذا رجعت إلى الحقا ... ئق فهي واحدة لأوحد]

أي هي واحدة في الحسن لأوحد في المجد.

وقال فيه أيضاً

ووقتٍ وفى بالدهر لي عند واحدٍ ... وفي لي بأهليه وزاد كثيرا

يريد أن وقتي عند يفي بجميع الزمان كما أن الممدوح يفي بكل إنسان.

شربت على استحسان ضوء جبينهِ ... وزهر ترى للماء فيه خريرا

[غدا الناس مثليهم به لا عدمته ... وأصبح دهري في ذراه دهورا]

أي هو عالم مثل الناس كلهم فالناس به عالمون ودهره عظيم القدر به فقد صار به الدهر دهورا.

وقال يصف مجلسين له متقابلين على مثال ربربين قد شدا بقلس

[المجلسان على التمييز بينهما ... مقابلان ولكن أحسنا الأدبا]

يقول هما وإن ميز بينهما مقابلان وكل واحد منهما قد احسن الأدب ثم ذكر ذلك الأدب فقال.

إذا صعدت إلى ذا مال ذا رهباً ... وإن صعدت إلى ذا مال ذا رهبا

يقول إذا صعدت إلى احدهما فجلست فيه مال الآخر هيبةً لك حين هجرته.

[فلم يهابك ما لا حس يردعه ... أني لأبصر من فعليهما عجبا]

واقبل الليل وهما في بستان فقال:

زال النهار ونور منك يوهمنا ... أن لم يزل ولجنح الليل إجنانُ

أي إذا ابصرنا نور وهجك ظننا أن النهار باقٍ لم يزل مع أن الليل قد اظلم.

وإن يكن طلب البستان يمسكنا ... فرح فكل مكانٍ مكن بستانُ

يقول إن كان يسمكنا في هذا البستان طلب البستان لتكون فيه فسر منه فكل مكان كنت فيه فهو بستان.

وكره الشرب فلما كثر البخور وارتفعت رائحة الند بمجلسه قال:

أنشر الكباء ووجه الأمير ... وحسن الغناء وصافي الخمورِ

النشر الرائحة الطيبة والكباء العود الذي يتبخر به وخبر المبتداء محذوف للعلم به كأنه قال اتجتمع هذه الاشياء لأحد كما اجتمعت لي.

فداو خماري بشربي لها ... فإني سكرت بشربِ السرورِ

أي أنا سكران بالسرور حين اجتمع لي ما ذكرته فداوِ خماري بشرب الخمر أي إنما أريد شرب الخمر لأنفى الخمار لا للسكر فإني سكران من السرور.

ولما انصرف ن البستان نظر الى السحاب فقال:

[تعرض لي السحاب وقد قفلنا ... فقلت إليك إن معي السحابا]

[فشم في القبة الملك المرجى ... فأمسك بعد ما عزم انسكابا]

وأشار إليه طاهر العلويّ بمسك وأبو محمد حاضر فقال

[الطيب مما غنيت عنه ... كفى بقرب الأمير طيبا]

[يبني به ربنا المعالي ... كما بكم يغفر الذنوبا]

وجعل أبو محمد يضرب البخر بكمه ويسوقه إليه فقال

<<  <   >  >>