للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبن فورجة يقول أنت إذا حزنت على هالك فإنما حزنت حفاظا منك لوده وصحبته ووفاء له والحفاظ والوفاء مما يدعو غليه العقل وغيرك يحزن ذعرا من ألم الفراق وجبنا منه وجهلا من غير معرفة بالسبب الموجب للحزن هذا كلامه وتفسير الحفظ على ما ذكره وأما تفسير العقل والذعر والجهل فلم يصب فيه والوجه أن يقال أراد بالعقل الاعتبار بمن مضى فأن العاقل إنما يحزن على الميت اعتبارا به وعلما أنه عن قريب سيتبعه على أثره وحزن غير العاقل يكون ذعرا من الموت وهو جهل لأنه ميت لا محالة وإن حزن

[لك إلف يجره وإذا ما ... كرم الأصل كان للإلف أصلا]

قال أبن جنى تجره تصحبه وتحمل ثقله وروى ابن فورجة يجره بالياء وهو الصواب والمعنى لك ألف يجر هذا الحزن ويجنيه عليك ثم ذكر أن الألف من كرم الأصل وأن الكريم ألوف وإذا كان الوفا حزن على فراق من ألفه

[ووفاء نبت فيه ولكن ... لم يزل للوفاء أهلك أهلا]

يروى فيه قديما يقول لك وفاء نشأت عليه فلا تعرف غير الوفاء للأحباب وقوله ولكن هو استثناء معروف على مذهب العرب يقولون فلان شريف غير أنه سخي قال أحمد بن يحيى هذا استثناء قيس وأنشد، فتى كملت أخلاقه غير أنه، جواد فما يبقى من المال باقيا،

[إن خير الدموع عونا لدمع ... بعثته رعية فاستهلا]

ويروى عندي لدمع يريد أن الدمع الذي سببه رعاية العهد هو خير الدموع عونا على الحزن والمصيبة وذلك أن الدمع يخفف برح الوجد كما قال ذو الرمة، لعل انحدار الدمع يعقب راحة، من الوجد أو يشفى نجي البلابل، روى أبن جنى عينا قال وهو منصوب على التمييز كقولك أن أحسن الناس وجها لزيد والمعنى أن عينه خير الأعين لأن موجب دمعه حتى استهل وفاض الرعاية والحفاظ

[أين ذي الرقة التي في الحر ... ب إذا استنكره الحديد وصلا]

أي هذه الرقة والرحمة التي نشاهدها منك أين هي في الحرب إذا أكره الحديد على الضرب وصل بقرع بعضه بعضا ويجوز أن يكون المعنى إذا استكره ضرب الحديد وقد نظر في هذا إلى قول لبيد، كل حرباء إذا أكره صل، والمعنى من قول البحتري، لم يكن قلبك الرقيق رقيقا، لا ولا وجهك المصون مصونا،

[أين خلفتها غداة لقيت ال ... روم والهام بالصوارم تفلى]

وروى ابن جنى أين غادرتها يقول أين تركت رقتك يوم الحرب إذ طلبت الرؤوس بالسيوف من جميع الجهات كالفالي يتبع كل موضع من الرأس ويروى تقلى أين يرمى بها كالقلة

[قاسمتك المنون شخصين جورا ... جعل القسم نفسه فيك عدلا]

المنون المنية والمنون الدهر ويجوز تذكيره وتأنيثه يقول قاسمك الموت أو الزمان شخصين يعني أختيه فاذهب إحداهما وترك الأخرى وكانت هذه المقاسمة جورا لأنه كان من حقك أن يتركهما عندك ولكن هذا الجور عدل فيك حيث تركك حيا وكانت المقاسمة معك في الأختين والمعنى إذا كنت أنت البقية فالجور عدل هذا إذا نصبت القسم وجعلت الفعل للجور وروى قوم جعل القسم نفسه فيه عدلا في الجور لأنه وإن كان أخذ الصغرى فقد ترك الكبرى ويدل على صحة هذا قوله

[فإذا قست ما أخذن بما أغ ... درن سرى على الفؤاد وسلى]

أغدرن تركن مثل غادرن

[وتيقنت أن حظك أوفى ... وتبينت أن جدك أعلى]

يعني حين بقيت الكبرى

[ولعمري لقد شغلت المنايا ... بالأعادي فكيف يطلبن شغلا]

[وكم انتشت بالسيوف من الده ... ر أسيرا وبالنوال مقلا]

يقال انتاشه من صرعته إذا نعشه يقول كم نعشت ونصرت أسيرا للزمان بسيفك فاستنقذته من الأسر وكم من مقل عديم نصرته بنوالك وجبرته على كره الزمان

[عدها نصرة عليه فلما ... صال ختلا رآه أدرك تبلا]

أي عد الزمان أفعالك نصرة عليه ومراغمة له فلما صال على أختك رأى نفسه قد أدرك تبلا لأنه حقد عليك ما فعلته وقوله رآه الضمير يعود على الدهر كقوله تعالى أن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى

[كذبته ظنونه أنت تبلي ... هـ وتبقى في نعمة ليس تبلى]

يقول ليس كما ظن الزمان أنه أدرك منك تبلا لأنك تبلى الزمان وتبقى أنت وإذا كان الأمر كذلك لم يقدر الزمان على ادراك الثأر منك

ولقد رامك العداة كما را ... م فلم يجرحوا لشخصك ظلا

<<  <   >  >>