للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحاجي به أي يغالط من الأحجية وهي الكلمة المخالفة اللفظ للمعنى كالشيء الملغز به يلقى على الإنسان ليستنبط معناه كما قال أبو ثروان ما ذو ثلاث آذان يسبق الخيل بالرديان يعني السهم وآذانه قذذه وأصل الكلمة قولهم حجا يحجو إذا أقام وثبت فقيل لها أحجية لأن الملقى عليه يحتاج إلى التثبت والتفكر والمعنى أن الناس يحاجي بعضهم بعضا بهذا الممدوح يقولون ما ناطق وهو ساكت ثم فسر هذا بالمصراع الأخير فقال يرى ساكتا يعني الممدوح لا ينطق بالفخر ولا يذكر شجاعته والسيف عن فيه ناطق بما يبدو من آثاره فهو يدل على شجاعته ويخبر بحميد غنائه وجميل بلائه

[نكرتك حتى طال منك تعجبي ... ولا عجب من حسن ما الله خالق]

نكرت الشيء وأنكرته إذا لم تعرفه ولم يستعمل من نكر إلا هذا اللفظ لفظ الماضي ومنه قول الأعشى، وأنكرتني وما كان الذي نكرت، من الحوادث إلا الشيب والصلعا، يقول أنكرت أن يكون أحد مثلك في فضلك واستغربت ذلك حتى طال تعجبي ثم علمت قدرة الله تعالى على خلق ما يريد

[كأنك في الإعطاء للمال مبغض ... وفي كل حرب للمنية عاشق]

[ألا قلما تبقى على ما بدا لها ... وحل بها منك القنا والسوابق]

يقول الخيل والرماح لا تبقى على ما نزل بها منك من كثرة استعمالها في الحروب والغارات

[خف الله واستر ذا الجمال ببرقع ... فإن لحت ذابت في الخدور العواتق]

يقول استر جمالك ببرقع ترسله على وجهك فإنك إن ظهرت ذابت الشواب في خدورهن شوقا إليك وعشقا لك ويروي حاضت وذلك أن المرأة اشتدت شهوتها وأفرطت سال دم حيضها

[سيحيى بك السمار ما لاح كوكب ... ويجدو بك السفار ما ذر شارق]

أي يحيون الليل بذكرك وحديثك والمسافرون يغنون بمدائحك فيحدون الإبل بها وقوله ما لاح كوكب وما ذر شارق من الفاظ التأبيد والمعنى أبدا أي أنت أبدا تذكر في الأسمار ويجدى بمدائحك في الأسفار هذا هو الظاهر وقوم يقولون ما لاح كوكب أي ما بقي من الليل شيء وما ذر شارق أي ما بقي من النهار شيء ترى فيه الشمس وبهذا قال ابن جنى أي يسيرون إليك نهارا فينشدون مديحك وإذا جاء الليل سمروا بذكرك والقول هو الأول لأن الحداء لا يختص بالنهار بل يكون بالليل في أكثر الأمر وغالب العادة

[فما ترزق الأقدار من أنت حارم ... ولا تحرم الأقدار من أنت رازق]

[ولا تفتق الأيام ما أنت راتق ... ولا ترتق الأيام ما أنت فاتق]

يعني أن الأقدار والأيام لا تخالفه فيما يصنع من حرمان ورزق ورتق وفتق بل هي موافقة له كما قال أشجع، فلا يرفع الناس من حطه، ولا يضع الناس من يرفعه،

[لك الخير غيري رام من غيرك الغني ... وغيري بغير اللاذقية لاحق]

لك الخير دعاء للممدوح بان يرزق الخير ثم قال غيري يطلب الغني من غيرك أي أنا لا أطلبه إلا منك وغيري يلحق بغير بلدك أي أنا لا أقصد إلا بلدك

[هي الغرض الأقصى ورؤيتك المنى ... ومنزلك الدنيا وأنت الخلائق]

يقول بلدك المطلوب الابعد أي هي أبعد ما يطلبه الإنسان فإذا بلغها لم يطلب بعدها شيئا والدنيا كلها منزلك أي في منزلك ما في الدنيا كلها وأنت جميع الناس.

وبلغ محمد بن إسحاق أن أبا الطيب هجاه وإنما هجي على لسانه فعاتبه محمد بن إسحاق فقال

[أتنكر يا ابن إسحاق إخائي ... وتحسب ماء غيري من إناءي]

يقول مستفهما متعجبا أتنكر مؤاخاتي إياك وتظن أن ما هجيت به من قبلي وضرب المثل بالماء والإناء

[أأنطق فيك هجرا بعد علمي ... بأنك خير من تحت السماء]

يقول لا أنطق فيك بالهجر وهو القبيح من القول بعد علمي أنك خير الناس

[وأكره من ذباب السيف طعما ... وأمضي في الأمور من القضاء]

وأكره طعما على العدو من طرف السيف وأنفذ فيما تريد من الأمور من القضاء وهذا من مبالغة الشعراء يقصدون بمثل هذا المبالغة لا التحقيق

[وما أرمت على العشرين سني ... فكيف مللت من طول البقاء]

أي ما زادت سنو عمري على العشرين فكيف أملّ طول البقاء بالتعرض لهجائك

وما استغرقت وصفك في مديحي ... فأنقص منه شيئاً بالهجاء

يقول لم أستوف أوصاف مدحك وأنا باستتمامها أولى مني بالأخذ في هجائك

وهبني قلت هذا الصبح ليل ... أيعمى العالمون عن الضياء

<<  <   >  >>