للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً - نقد أهل السنة لمعنى الحد عند المنطقيين:

لقد أخطأ المنطقيون في دعواهم أن الحدود تفيد تصوير الحقائق، ولم يكن قولهم في ذلك دقيقاً، ولا مطابقاً للواقع، بل غاية الحد أنه يفيد تمييز المحدود عن غيره، وشرح معناه، ومن وجوه الرد عليهم في ذلك ما يلي:

الوجه الأول:

أن الحد مجرد قول الحاد ودعواه، فإنه إذا قال: حد الإنسان مثلاً: إنه الحيوان الناطق أو الضاحك، فهذه قضية خبرية، ومجرد دعوى خلية عن حجة. فإما أن يكون المستمع لها عالماً بصدقها بدون هذا القول، وإما أن لا يكون. فإن كان عالماً بذلك ثبت أنه لم يستفد هذه المعرفة بهذا الحد. وإن لم يكن عالماً، فمجرد قول المخبر الذي لا دليل معه، لا يفيده العلم. كيف وهو يعلم أنه ليس بمعصوم في قوله؟ فقد تبين أنه على التقديرين ليس الحد هو الذي يفيده معرفة المحدود. فإن قيل الحد مفرد، قيل التكلم بالمفرد لا يفيد، ولا يكون جواباً لسائل، ثم إذا قدر أن الحد هو المفرد فالمفردات أسماء، وغاية السائل أن يتصور مسماها، لكن من أين له إذا تصور مسماها أن هذا المسمى هو المسؤول عنه، وأن هذا المسمى هو حقيقة المحدود؟.

فإن قيل يفيده مجرد تصور المسمى من غير أن يحكم أنه هو ذلك أو غير ذلك، قيل فحينئذ يكون هذا كمجرد دلالة اللفظ المفرد على معناه، وهو دلالة الاسم على مسماه، وهذا يحقق أن دلالة الحد كدلالة الاسم. وهذا قول أهل الصواب الذين يقولون: "الحد تفصيل ما دل عليه الاسم بالإجمال "، وحينئذ فيقال: لا نزاع بين العقلاء أن مجرد الاسم لا يوجب تصوير المسمى لمن لم يتصوره بدون ذلك، وإنما الاسم يفيد الدلالة عليه والإشارة إليه١.


١ - انظر: الرد على المنطقيين ص ٣٢ - ٣٤، مجموع الفتاوى٩/٩١.

<<  <   >  >>