للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - معنى المعرفة في الشرع:

لم يرد مصطلح المعرفة بهذا اللفظ في كتاب الله، وورد الفعل عرف بتصريفاته وبعض اشتقاقاته، نحو قوله - تعالى -: {وَلَوْ نَشَاءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد - ٣٠] ، وقوله - تعالى -: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة - ١٤٦] ، وورد الفعل عرف بتصريفاته في السنة، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام، على من عرفت، وعلى من لم تعرف" ١.

أما في حقه - سبحانه - فقد وصف نفسه بالعلم، ولم يصف نفسه بالمعرفة، وأمر عباده أن يعلموا أنه إله واحد، كما أمرهم بالعلم في صفاته، وليس مجرد المعرفة. قال ابن القيم - رحمه الله -: "واختار - سبحانه - لنفسه اسم العلم، وما تصرف منه، فوصف نفسه بأنه عالم، وعليم، وعلام، وعَلِمَ، ويعلم. وأخبر أن له علماً، دون لفظ المعرفة في القرآن. ومعلوم أن الاسم الذي اختاره الله لنفسه، أكمل نوعه المشارك له في معناه.

وإنما جاء لفظ المعرفة في القرآن، في مؤمني أهل الكتاب خاصة، كقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} إلى قوله: {مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ} [المائدة:٨٢ - ٨٣] ، وقوله: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة - ١٤٦] "٢.

وأما الفرق المعنوي بين لفظ المعرفة والعلم فمن وجوه٣:

أحدها: أن المعرفة تتعلق بذات الشيء، والعلم يتعلق بأحواله، فتقول عرفت أباك، وعلمته صالحاً عالماً، ولذلك جاء الأمر في القرآن بالعلم دون المعرفة، كقوله - تعالى -: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ} [محمد - ١٩] وقوله: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة - ٩٨] ، فالمعرفة حضور صورة الشيء، ومثاله العلمي في النفس، والعلم حضور أحواله، وصفاته، ونسبتها إليه. فالمعرفة تشبه التصور، والعلم يشبه التصديق.

الثاني: أن المعرفة في الغالب تكون لما غاب عن القلب بعد إدراكه، فإذا أدركه قيل عرفه، أو تكون لما وصف له بصفات قامت في نفسه، فإذا رآه وعلم أنه الموصوف بها


١ - أخرجه البخاري في كتاب الاستئذان، باب السلام للمعرفة وغير المعرفة ٤/١٣٧، ح ٦٢٣٦.
٢ - مدارج السالكين ٣/٣٣٤ - ٣٣٥.
٣ - انظر: المرجع السابق ٣/٣٣٦ - ٣٣٧.

<<  <   >  >>