للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - معنى العرض في اصطلاح الفلاسفة والمتكلمين:

إن تقسيم الموجودات إلى عرض، وجوهر، كان من ابتداع أرسطو، وأتباعه من الفلاسفة١، وقد جعلوا للفظ العرض معنى زائداً عما هو معروف في لغة العرب، وعما جاء في الكتاب والسنة، يبين ذلك قول ابن سينا في معنى العرض: "العرض اسم مشترك، يقال عرض لكل موجود في محل، ويقال عرض لكل موجود في موضوع، ويقال عرض للمعنى المفرد الكلي المحمول على كثيرين، حملاً غير مقوم، وهو العرضي، ويقال عرض لكل معنى موجود للشيء، خارج عن طبعه، ويقال عرض لكل معنى يحمل على الشيء، لأجل وجوده في آخر يقارنه. ويقال عرض لكل معنى وجوده في أول الأمر لا يكون"٢.

ويقول الفارابي: "والعرض معناه هو الذي في موضوع"٣. ويبين سبب تسميته عرضاً فيقول: "وليس يسمى عرضاً لدوام وجوده، ولا لسرعة زواله، بل معنى أنه عرض هو أنه لا يكون داخلاً في ماهية موضوعه"٤.

ويشرح البغدادي، صاحب المعتبر، التعريف المختار عند الفلاسفة، فيقول: "والعرض هو الموجود في موضوع، وفسروا الموجود في موضوع؛ بالموجود في شيء ليس هو جزء منه، أعني من الشيء الذي هو فيه، ولا يصح وجوده دون ماهو فيه، أعني لا يصح وجود الشيء الواحد المعين منه، إلا في الشيء المعين الذي هو موجود فيه"٥.

فالعرض عند الفلاسفة هو الذي لا يقوم بنفسه بل يحتاج إلى موضوع يحل فيه.

وقد أخذ المتكلمون لفظ العرض عن الفلاسفة، كما أخذوا معناه عنهم، وجعلوا تقسيم الأشياء إلى جوهر وعرض - كما يقول الإمام أبو المظفر السمعاني -، أصل قاعدة علومهم٦.


١ - انظر: الصفدية ١/١٢٥، الجواب الصحيح ٥/٤٤، الحروف للفارابي ص ٩٣، ٩٥، المعتبر في الحكمة ١/٧٣.
٢ - الحدود لابن سينا ص٢٥٠، وانظر: معيار العلم ص٢٩٢.
٣ - الحروف ص ٩٣، وانظر: تفسير ما بعد الطبيعة لابن رشد ص ٥٥٩، ٨١٩.
٤ - الحروف ص٩٦.
٥ - المعتبر ١/٧٣.
٦ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/١٣٢.

<<  <   >  >>