للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيقول الطبري: "يقول - جل ثناؤه - لا تدري ما الذي يحدث، لعل الله يحدث بعد طلاقكم إياهن رجعة"١.

ولم يرد لفظ الحدوث أو الحادث في السنة٢، ولكن ورد الفعل منه وبعض مشتقاته كمحدث وحديث ونحوها، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة" ٣. وهذا الحديث موافق لقوله - تعالى -: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ} [الأنبياء - ٢] ، قال شيخ الإسلامابن تيمية - رحمه الله -: "لما قال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ} [الأنبياء - ٢] علم أن الذكر منه محدث، ومنه ما ليس بمحدث، لأن النكرة إذا وصفت ميز بها بين الموصوف وغيره، كما لو قال: ما يأتينى من رجل مسلم إلا أكرمته، وما آكل إلا طعاماً حلالاً، ونحو ذلك، ويعلم أن المحدث في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهمي، ولكنه الذي أنزل جديداً، فإن الله كان ينزل القرآن شيئاً بعد شيء، فالمنزل أولاً هو قديم بالنسبة إلى المنزل آخراً، وكل ما تقدم على غيره فهو قديم في لغة العرب، كما قال: {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} [يس - ٣٩] ، وقال: {تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ} [يوسف - ٩٥] ، وقال: {وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ} [الأحقاف - ١١] "٤.

فالمحدث في الشرع جاء بمعنى جديد الإنزال. كما قد يراد بالمحدث المخلوق المسبوق بالعدم.


١ - تفسير الطبري ٢٨/١٣٥، وانظر: تفسير ابن كثير ٤/٤٠٣.
٢ - وذلك حسب إطلاعي.
٣ - أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب "كل يوم هو في شأن" ٤/٤١٠.
٤ - مجموع الفتاوى ١٢/٥٢٢.

<<  <   >  >>