للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والدليل على حدوثها بطلان الحركة عند مجيء السكون؛ لأنها لولم تبطل عند مجيء السكون، لكانا موجودين في الجسم معاً، ولوجب لذلك أن يكون متحركاً ساكناً معاً؛ وذلك مما يعلم فساده ضرورة. والدليل على حدوث الأجسام أنها لم تسبق الحوادث، ولم توجد قبلها؛ وما لم يسبق المحدث محدث كهو؛ إذ كان لا يخلو أن يكون موجوداً معه أو بعده؛ وكلا الأمرين يوجب حدوثه. والدليل على أن الجسم لا يجوز أن يسبق الحوادث أنا نعلم باضطرار أنه متى كان موجوداً فلا يخلو أن يكون متماس الأبعاض مجتمعاً، أو متبايناً مفترقاً؛ لأنه ليس بين أن تكون أجزاؤه متماسة، أو متباينة منزلة ثالثة؛ فوجب ألا يصح أن يسبق الحوادث؛ وما لم يسبق الحوادث، فواجب كونه محدثاً؛ إذ كان لا بد أن يكون إنما وجد مع وجودها، أو بعدها؛ فأي الأمرين ثبت، وجب به القضاء على حدوث الأجسام"١.

٣ - مناقشة الدليل:

هذا الدليل باطل من عدة أوجه:

أولاً: أنهم يقولون إن الإيمان بالرب موقوف على هذا الدليل، مع أنه لم يستدل به أحد من الصحابة والتابعين، ولا من أئمة المسلمين، فلو كانت معرفة الرب - عز وجل - والإيمان به موقوفة عليه، للزم أنهم كانوا غير عارفين بالله، ولا مؤمنين به، وهذا من أعظم الكفر باتفاق المسلمين٢.

كما أن الأنبياء والمرسلين لم يأمروا أحدا بسلوك هذا السبيل، فلو كانت المعرفة موقوفة عليه، وهي واجبة، لكان واجباً، وإن كانت مستحبة، كان مستحباً، ولو كان واجباً، أو مستحباً، لشرعه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان مشروعاً لنقلته الصحابة٣.

ثانياً: أن الطريقة المذكورة في القرآن هي الاستدلال بحدوث الإنسان وغيره من المحدثات، المعلوم حدوثها بالمشاهدة ونحوها؛ على وجود الخالق - سبحانه وتعالى -، فحدوث الإنسان


١ - التمهيد ص٤٤.
٢ - انظر: بيان تلبيس الجهمية ١/٦١٩.
٣ - انظر: المرجع السابق نفس الجزء والصفحة.

<<  <   >  >>