للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - معنى هذا الدليل في الاصطلاح:

من الآيات الواضحة التي جعلها الله - عز وجل - دليلاً لعباده على معرفة وحدانيته، انتظام صنعته، وبدائع حكمته في خلق السماوات والأرض، وما أحكم فيها، وخلق الإنسان، والأرواح، وما ركب فيها، قال - تعالى -: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعْ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور} [الملك - ٣] ١.

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "أفعاله المحكمة المتقنة دلت على علمه، وهذا مما وقع الاتفاق عليه من هؤلاء، فإنهم يسلمون أن الإحكام والإتقان يدل على علم الفاعل، وهذا أمر ضروري عندهم وعند غيرهم، وهو من أعظم الأدلة العقلية التي يجب ثبوت مدلولها، والإحكام والإتقان إنما هو أن يضع كل شيء في محله المناسب، لتحصل به الحكمة المقصودة منه..وحكمة الرب في جميع المخلوقات باهرة، قد بهرت العقلاء، واعترف بها جميع الطوائف، والفلاسفة من أعظم الناس إثباتاً لها، وهم يثبتون العناية والحكمة الغائية، وإن كان فيهم من قصر في أمر الإرادة والعلم، وكذلك المتكلمون كلهم متفقون على إثبات الحكمة في مخلوقاته، وإن كانوا في الإرادة وفعله لغاية متنازعين"٢.

ويقول الرازي في شرح هذا الدليل: "وهي الاستدلال بما في العالم من الإحكام والإتقان على علم الفاعل، والذي يدل على علم الفاعل هو بالدلالة على ذاته أولى"٣.

فإتقان الخلق وإحكامه من أعظم الأدلة على وجود الله، يتفق في هذا الدليل أهل السنة والفلاسفة والمتكلمون، وهو يدل على علم الفاعل وحكمته، والفلاسفة والمتكلمون يلزمهم الإقرار بثبوت ذلك لله من غير تقصير في مدلول العلم والحكمة، لأنه من لوازم هذا الدليل.


١ - انظر: كتاب التوحيد لابن منده ١/٩٧.
٢ - النبوات ص٣٧٦ - ٣٧٧، وانظر: الصواعق المرسلة ٤/١٥٦٧ - ١٥٧٤، شفاء العليل ص٢٣٣.
٣ - نقله ابن تيمية في درء التعارض ٣/٨٧، وانظر: المطالب العالية ١/٢٣٣.

<<  <   >  >>