للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - الرد على القائلين بالصدفة:

إن القول بأن هذا العالم بما فيه من بديع الصنع، وعجيب الخلق، قد وجد صدفة من تلقاء نفسه، وليس له موجد أوجده، قول مخالف للعقل والفطرة التي فطر الناس عليها؛ فإنها تشهد بضرورة وجود خالق عظيم أبدع هذا الكون، يقول الشهرستاني: "أما تعطيل العالم عن الصانع العليم، القادر الحكيم، فلست أراها مقالة، ولا عرفت عليها صاحب مقالة، إلا ما نقل عن شرذمة قليلة من الدهرية، أنهم قالوا: كان العالم في الأزل أجزاء مبثوثة، تتحرك على غير استقامة، فاصطكت اتفاقاً، فحصل منها العالم بشكله الذي تراه عليه، ودارت الأكوار، وكرت الأدوار، وحدثت المركبات، ولست أرى صاحب هذه المقالة ممن ينكر الصانع، بل هو معترف بالصانع، لكنه يحيل سبب وجود العالم على البخت والاتفاق، احترازاً عن التعطيل، فما عدت هذه المسألة من النظريات التي يقام عليها برهان، فإن الفطرة السليمة الإنسانية شهدت - بضرورة فطرتها، وبديهة فكرتها - على صانع حكيم، قادر عليم، {أَفِي اللَّهِ شَكٌّ} [إبراهيم - ١٠] "١.

ومن الأدلة العقلية التي تبطل القول بالصدفة ما يحكى عن أبى حنيفة - رحمه الله - "أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية، فقال لهم: أخبروني - قبل أن نتكلم في هذه المسألة - عن سفينة في دجلة، تذهب فتمتلىء من الطعام والمتاع وغيره بنفسها، وتعود بنفسها، فترسي بنفسها، وتتفرغ وترجع، كل ذلك من غير أن يدبرها أحد؟ فقالوا: هذا محال، لا يمكن أبداً! فقال لهم: إذا كان هذا محالاً في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ "٢.

ومثل ذلك ما ذكره الإمام ابن القيم - رحمه الله - في الرد على القائلين بالصدفة، حيث قال: "فسل المعطل الجاحد ما تقول في دولاب دائر على نهر، قد أحكمت آلاته وأحكم تركيبه، وقدرت أدواته أحسن تقدير وأبلغه، بحيث لا يرى الناظر فيه خللاً في مادته ولا في صورته، وقد جعل على حديقة عظيمة، فيها من كل أنواع الثمار والزروع، يسقيها


١ - نهاية الإقدام ص١٢٣ - ١٢٤.
٢ - شرح العقيدة الطحاوية ١/٣٥ - ٣٦.

<<  <   >  >>